ولكنه لا يكاد يصح الاعتماد في دعوى الانصراف على مثل هذه الوجوه، أو العمدة عدم القصور والانصراف عما يحكم العقل فيه بالاحتياط، فحينئذ لابد من رفع اليد عنه؛ لعدم قيام الحجة على المشكوك فيه.
وحاصل ما أفاده في الوجه الثاني: هو أن جريان البراءة النقلية لنفي وجوب قيد الدعوة بنحو الأمر الثاني لا يثبت كون متعلق الخطاب الأول تمام المطلوب، إلا على القول بحجية الأصل المثبت.
ضرورة أن نفي الوجوب المستفاد من متمم الجعل، وإثبات أن الثاني واف بالغرض بالأصل المذكور من أظهر مصاديق الأصل المثبت، بخلاف ما لو قلنا بجواز أخذه في الخطاب الأول؛ فإن مرجع الشك فيه إلى انبساط الأمر على المشكوك، فإذا جرت البراءة فيه استفيد أن ما في الأجزاء هو تمام المأمور به، ولا محذور فيه؛ لخفاء مثل هذه الواسطة عند العرف (1).
وفيه أولا: أن العبد مأخوذ بما قام لديه الحجة، وهي ليست إلا ما أخذ في لسان الدليل فقط، ومن المعلوم أنه ليس عنوان تمام المطلوب ونحوه كالوافي بالغرض مما اعتبر واحد في لسان الدليل.
فعليه: إذا أتى بما تعلق به الخطاب الأول صدق الامتثال قطعا؛ لعدم قيام الحجة على أزيد منه بعد كون ذلك الزائد مشكوكا فيه، وحكم الشارع برفع ما لا يعلم.
وثانيا: لو سلم ذلك لكنه لا فرق بين إمكان الأخذ في الخطاب الأول أو الخطاب الثاني من هذه الجهة، لو لم يكن الأمر في الخطاب الأول أصعب؛ إذ نفي المشكوك وجوبه تتميم الجعل، مثل نفي وجوبه بالخطاب الأول في عدم إثبات عنوان كون الباقي تمام المطلوب، أو الوافي بالغرض.