وواضح: أن إرادة التشريعية المحرمة لقتل النفس المحترمة وشرب الخمر أقوى - مثلا - من إرادة ترك النظر إلى الأجنبية؛ لأقوائية المصالح والمفاسد فيهما، دون الأخير.
وليس لنا غالبا طريق إلى إدراك المصالح والمفاسد لو خلينا وأنفسنا إلا ببيان الشارع الأقدس. فقد يستفاد الأهمية من اقتران البعث بالتأكيدات، وتعقبه بالوعد بنعيم الجنة لو آتاه، والوعيد بلهيب النار لو تركه. كما يستفاد ضعف الإرادة وفتورها من مقارنة البعث بالترخيص في الترك - مثلا - إلى غير ذلك.
ولعمر الحق: إن ما ذكرناه واضح لا سترة فيه.
فإن كان - مع ذلك - في خواطرك ريب فلاحظ حال الموالي العرفية مع عبيدهم؛ فترى ما ذكرنا بوضوح، ويكون أصدق شاهد على ذلك.
فإنه يمكن استفادة أقوائية إرادة المولى إنفاذ ابنه العزيز عنده من الغرق والحرق من إرادته شراء الماء للتبريد من جهة أدائه ذلك بلحن شديد، واقترانه بأنواع التأكيدات، وتحريك أياديه ورباطاته إلى غير ذلك، ولم يكن شئ من ذلك في شراء الماء للتبريد.
إذا تمهد لك ما ذكرنا: فيقع الكلام في أنه هل وضعت صيغة الأمر وهيئته للإغراء والبعث اللزومي، أو بانصرافها إليه، أو لا هذا ولا ذاك، بل لكشفها عن ذلك؛ كشفا عقلائيا نظير سائر الأمارات العقلائية، أو لكون ذلك بمقدمات الحكمة، أو ليس لشيء من ذلك، بل من جهة أن بعث المولى حجة على العبد بحكم العقل والعقلاء، ولا عذر للعبد في تركه لو طابق الواقع؟ وجوه.