الاحتياط في المقام بيان؛ فينتفي معه موضوع البراءة ليورد عليه باستلزام ذلك الدور، كما قرر في محله. بل هو يدعي قصور دليل البراءة النقلية عن شمول مثل المورد.
نعم، ذلك مخصوص بالقيود غير المغفول عنها غالبا؛ ليصح الإتكال على حكم العقل، كالمقام فإن قيد الدعوة فحيث إنها ملتفت إليها - حسب الفرض - فيجوز للحكيم أن يتكل في مقام استيفاء غرضه منها على حكم العقل بلزوم الاحتياط في مورد الشك في شئ منها (1).
وفيه: أنه لا وجه لدعوى قصور أدلة البراءة النقلية أصلا، ولا انصرافها عنه بعد كون الموضوع قابلا للوضع والرفع؛ وذلك لأن الانصراف لابد له من منشأ معتد به، والظاهر عدمه.
ثم إنه لو صح دعوى الانصراف فالأولى دعواه بالنسبة إلى ما لا يحكم العقل بالاشتغال، بل يحكم بقبح العقاب بلا بيان؛ لأن ظاهر الخطاب هو المولوية والتأسيس، لا الإرشاد والتأكيد.
وبالجملة: يمكن دعوى الانصراف في نحو حديث " رفع عن أمتي تسع: ما لا يعلمون... " إلى آخره (2)، الذي هو الدليل المعتمد عليه في البراءة النقلية؛ إذ ظاهره الامتنان على الأمة، وهو إنما يلائم الموارد المحكوم عليها بالاشتغال. وأما الموارد التي يحكم العقل الصريح بقبح العقاب فيها فالمسلم وغيره فيه شرع سواء، هذا.