الجهة الثانية: في مقتضى الأصل العملي في المسألة فعند فقد الأصل اللفظي في المسألة يقع الكلام في مقتضى الأصل العلمي فيها، فنقول:
الحق في المسألة: هو أنه إذا شك في لزوم المباشرة فقط أو جواز الاستنابة أو التبرع، هو الاشتغال وإتيان المخاطب نفسه، وعدم جواز الاستنابة أو التبرع، وإن قلنا في دوران الأمر بين التعيين والتخيير البراءة؛ للفرق بينهما.
وذلك لأن التكليف في نحو المقام - أي في موارد جواز الاستنابة أو التبرع - حيث لم يكن بالتخيير ولا بالاشتراط، بل بالتعيين؛ لتعين البحث والإطلاق الصرف.
وإنما جواز الاستنابة أو التبرع في مرحلة سقوط التكليف من باب الترخيص والتوسعة في مقام الامتثال؛ فلو شك فيهما كان مرجعه إلى الشك في الترخيص والتوسعة في مقام الامتثال، من دون أن يصعد إلى حريم التكليف أو إلى قيد من قيود المأمور به، ومن المعلوم: أن الشك في ناحية الامتثال وسقوط التكليف مجرى للاشتغال فحسب.
إن قلت: إن أصل التكليف معلوم، والشك إنما هو في قيد المأمور به وفي أنه هل هو مطلق أو مقيد بقيد المباشرة، فتجري البراءة.
قلت: إن المعلوم هو إطلاق المأمور به وعدم تقيده بنحو يرجع إلى التخيير أو الاشتراط؛ لعدم معقولية شئ منهما، كما تقدم. ولكن لا يتعدى الشك عن طور الامتثال وسقوط التكليف إلى أصل التكليف أو قيد من قيود المكلف به، ومعه لا مجال لتوهم البراءة، بخلاف مسألة الدور بين التعيين والتخيير، كما تقدم.
ولا يخفى: أنا وإن لم نكن عجالة بصدد بيان ما هو الحق في المسألة، إلا أنه لقائل أن يقول بالبراءة هناك، بلحاظ أنه لا يعلم مقدار سعة التكليف وضيقه، وليس التكليف معلوما بجميع حدوده حتى يكون الشك في امتثاله، كما في المقام.