فعلى هذا: لا يكون الوجوب إلا تعيينيا لا تخييرا، ومطلقا لا مشروطا، ولا مظروفا في ظرف عدم فعل الغير.
فأما حديث جواز الاستنابة فإنما هو ترخيص من الشارع في كيفية الامتثال وسقوط التكليف.
وإنما قلنا: إن كان لجواز الاستنابة مورد؛ فلأنا لم نجد موردا في الفقه يكون الأمر في مقام الامتثال دائرا بين المباشرة والاستنابة بجعل الغير - الذي هو النائب - بمنزلة نفسه في عالم الاعتبار.
نعم، في الحج وإن جوز الاستنابة فيه إلا أنه في حال العذر - كالمرض - لا مطلقا.
وربما يمثل لذلك بسقوط قضاء الميت عن الولي بفعل النائب، كما يوجد في كلمات بعض الأعاظم (قدس سره) (1).
ولكنه غير مطابق للممثل المبحوث عنه؛ إذ المبحوث عنه في أن الواجب على المخاطب بالأصالة وجوب مباشرته أو كفاية الاستنابة، وأما قضاء الميت فإنما يجب على الولي نيابة عن الميت. فالأمر هناك دائر بين لزوم الاقتصار في امتثال الأمر بالنيابة على المباشرة، وبين جواز الاستنابة أيضا.
هذا تمام الكلام فيما هو مقتضى التشريع والجعل.
فظهر: أن المجعول فيما يجوز فيه الاستنابة أو التبرع ليس إلا أمرا معينا لا مخيرا، ووجوبا مطلقا لا اشتراطا فيه؛ لعدم معقولية شئ منها.
هذا كله في الجهة الأولى؛ وهو مقتضى الأصل اللفظي في توجه الخطاب؛ وهو لزوم مباشرة المخاطب في امتثال الأمر.