ولك أن تقول: إن ما أفاده على مبناه في معاني الهيئات تمام؛ لأنه - كما تقدم - يرى أن معاني الهيئات كلها حكائي لا إيجادي. وأما على المختار - من أن الهيئات على قسمين: إيجادي وحكائي - فلا يتم، فتدبر.
الجهة الثالثة: في اعتبار العلو والاستعلاء في مادة الأمر هل مادة الأمر موضوعة لمطلق ما يطلب، أو للجامع بين الطلبات الصادرة من العالي ولو لم يكن مستعليا - بأن كان طلبه بصورة الالتماس والاستدعاء - أو لمطلق ما يطلب مستعليا ولو لم يكن عاليا، أو لما يصدر من العالي بما أنه عال، فيستفاد منه الاستعلاء؟ وجوه، بل أقوال.
والذي يتبادر من مادة الأمر السائدة في هيئات أمر ويأمر وآمر وهكذا هو اعتبار العلو فيها. بل اعتبار العلو بما هو عال، ولا يقال لمن طلب ولم يكن عاليا إنه أمر. وكذا العالي لو طلب بنحو الالتماس والاستدعاء، لا يعد طلبه أمرا.
ولذا يذم العقلاء خطاب المساوي والسافل لمن هو مساو معه أو أعلى منه بلفظ الأمر، وهو آية أخذ العلو فيه. ولا يقال لطلب العالي إذا كان بصورة الالتماس والاستدعاء أمرا.
ولا يخفى: أن العلو أمر اعتباري، له منشأ عقلائي يختلف بحسب الزمان والمكان. والملاك في ذلك هو كون الشخص نافذ الكلمة والسلطة والقدرة؛ بحيث يقتدر على إجراء أوامره وتكاليفه.
فالسلطان المحبوس المتجرد من النفوذ وإعمال القدرة لا يعد إنشاؤه أمرا، بل طلبا والتماسا. بل رئيس المحبس النافذ رأيه في محيطه يكون أمرا بالنسبة إليه.
وواضح: أنه لا تعد مكالمة المولى مع عبيده على طريق الالتماس والاستدعاء أمرا.