الجهة الرابعة: في معنى الحقيقي لمادة الأمر بعدما عرفت: أن مادة الأمر موضوعة لمفهوم جامع منتزع من الهيئات الصادرة من العالي المستعلي، فيقع الكلام في أن الموضوع له هل هو الجامع المنتزع من الهيئات الصادرة منه على نعت الوجوب والإلزام، أو مطلق ذلك، وإن لم يصدر على نعت الوجوب؟ وجهان:
وليعلم: أن عمدة الدليل في المسألة هي التبادر - بل هو الدليل الوحيد في أمثال ذلك، كما تقدم منا مكررا - والظاهر تبادر الجامع المنتزع من الهيئات الصادرة من المعاني المستعلي على نعت الوجوب من مادة الأمر.
وربما يستدل لهذا القول بقوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (1)، وبقوله (صلى الله عليه وآله): " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " (2)؛ حيث يكون ظاهرا في أن الأمر يوجب المشقة والكلفة، وهذا مساوق للوجوب، دون الاستحباب.
مضافا إلى أن الطلب الاستحبابي وارد في السواك، فلو كان ذلك كافيا في صدق الأمر لما صدر منه (صلى الله عليه وآله) ذلك الكلام.
إلى غير ذلك من الآيات والروايات. إلا أنها مؤيدات في المسألة، كما نبه عليه المحقق الخراساني (قدس سره) (3)؛ لأنها لا تزيد عن الاستعمال، والاستعمال أعم من الحقيقة. الاستعمال إنما يكون علامة الحقيقة فيما إذا علم المعنى الموضوع له ولم يعلم إرادته من اللفظ، لا فيما إذا علم المراد وشك في أن المعنى المراد معنى حقيقي أو مجازي.