نعم، لعله ربما يتوهم: أن غاية الوضع لابد وأن تكون بحيث يصح التلفظ بالموضوع مستقلا، ولا يمكن التلفظ بمادة الأمر إلا في ضمن الهيئة.
ولكنه يندفع بما ذكرنا آنفا: أن مقتضى حكمة الوضع إنما هي وقوعها في طريق الإفادة والاستفادة - ولو في ضمن أمر آخر - لا التلفظ بها مستقلا.
ومن الواضح: أن مجرد عدم إمكان التنطق بها مستقلا لا يوجب الاشتراك اللفظي أو المعنوي، بل يؤكد العدم؛ لكون الموضوع لنفس الحدث هو ما لا يمكن التلفظ به مستقلا، وما يمكن التلفظ به مستقلا موضوع لسائر المعاني.
ولعل منشأ القول بالاشتراك بقسميه هو قول القدماء القائلين بأن المصدر أصل المشتقات، فتبعهم من لم يوافقهم في المبنى، فتدبر.
الجهة الثانية: في ما وضع له مادة الأمر، وهي " أ م ر " ذهب بعض إلى أن مادة " أمر " موضوعة للطلب، كما أنه ذهب آخر إلى أنها موضوعة للإرادة المظهرة، كما ذهب ثالث إلى أنها موضوعة للبحث، إلى غير ذلك من الأقوال.
ولكن الذي يتبادر منها: أنها موضوعة لمعنى اسمي منتزع من هيئات الصيغ الخاصة بما لها من المعنى الحرفي.
وبعبارة أخرى: أن الهيئات صيغ الأمر وإن كانت معاني حرفيا آليا لإيجاد البعث - كهيئة " اضرب " لإيجاد بعث الضرب، وهيئة " أكرم " لإيجاد بعث الإكرام، وهكذا - إلا أنه يمكن تصوير جامع اسمي بينها، كما صح انتزاع مفهوم الربط - الذي هو مفهوم اسمي - من المعاني الحرفية والروابط بالحمل الشائع.
فكما صح وضع لفظ الربط لمفهوم اسمي انتزاعي من المعاني الحرفية فكذلك صح وضع لفظ الأمر لمعنى اسمي منتزع من الهيئات بما لها من المعاني الحرفية؛ أي