الطلب الصادر من السافل أو المساوي؛ ضرورة أن دلالة الألفاظ على معانيها - بعدما لم تكن ذاتية - لم تكن جزافية، بل تكون مرهونة بالوضع.
فعدم صدق الأمر إلا على الطلب من العالي المستعلي لا يكاد يعقل إلا مع تقييد في مدلوله ومفهومه، مثل تقييد مدلوله بالطلب الصادر من العالي المستعلي، أو الطلب الذي ليس من السافل أو المساوي، إلى غير ذلك. وإلا فمع عدم تقييد مدلوله بقيد لا يصلح أن لا ينطبق إلا على فرد منه؛ وهو الطلب من العالي المستعلي.
فعدم صدق الأمر على الصادر من السافل أو المساوي يكشف عن تضيق في مفهومه، وإلا كان ذلك - مع كون الوضع فيه عاما والموضوع له كذلك - جزافيا بلا وجه.
وبالجملة: الأمر يدور بين وضع مادة الأمر لمطلق الطلب أو لخصوص الطلب الصادر من العالي المستعلي.
فعلى الأول لا يتم قوله - دامت بركاته - إن الأمر الكذائي لا ينبغي صدوره خارجا إلا من العالي المستعلي، وكأنه لا يرجع إلى محصل.
وعلى الثاني لا محيص عن الالتزام بتقييده بقيد حتى لا يصدق على غيرها.
فإن كنت مع ذلك في ريب مما ذكرنا فاختبر نفسك حال الحيوان؛ فإن له أنواعا كثيرة، فلو لم يقيد الحيوان بالناطقية - مثلا - لا يمكن أن لا يصدق إلا على الإنسان، بل يكون صدقه على الإنسان في عرض صدقه على الفرس والبقر والإبل وسائر الأنواع.
فظهر: أن عدم صدق الأمر - على الطلب الذي لم يصدر من العالي مستعليا، وذم العقلاء على طلبه يكشف إنا عن تضييق في المفهوم. وكذلك بالنسبة إلى الالتماس والدعاء.