(واما الثاني) فلانه بعد اتيان ذات الفعل لا يعقل بقاء الامر الأول، لما عرفت سابقا من استلزامه لطلب الحاصل، فلا يعقل الشك في سقوط هذا الامر. نعم يحتمل وجود امر آخر من جهة احتمال بقاء الغرض. وظاهر أن هذا شك في ثبوت امر آخر، والأصل عدمه. ولو سلمنا كون الشك في سقوط الامر الأول نقول: إن هذا الشك نشأ من الشك في ثبوت الغرض الأخص.
وحينئذ نقول في تقريب جريان أصالة البراءة ان اقتضاء الامر ذات الفعل متيقن. واما الزائد عليه فلا نعلم، فلو عاقبنا المولى من جهة عدم مراعاة الخصوصية المشكوك اعتبارها في الغرض، مع الجهل به، وعدم إقامة دليل يدل عليه، مع أن بيانه كان وظيفة له، لكان هذا العقاب من دون إقامة بيان وحجة، وهو قبيح بحكم العقل. ولو كان الشك في السقوط كافيا في حكم العقل بالاشتغال، للزم الحكم به في دوران الامر بين المطلق والمقيد مطلقا [114] ضرورة أنه بعد اتيان الطبيعة في ضمن غير الخصوصية التي يحتمل اعتبارها في المطلوب، يشك في سقوط الامر وعدمه.
____________________
[114] ويمكن الفرق بين المقامين بان الشك في السقوط في المطلق والمقيد ناش عن الشك في حدود المأمور به، فينحل إلى أن الامر بالذات معلوم وبالقيد مشكوك فيه، ولا ملزم لغير المعلوم، وفي المقام حدود المأمور به معلومة والشك في السقوط ناش عن كيفية الامر، فان التعبدي لا يسقط الا بقصد الامر، بخلاف التوصلي.