هذا وقد يقال في العبادات بان الامر متوجه إلى ذات الفعل، والغرض منه جعل المكلف قادرا على ايجاد الفعل بداعي الامر الذي يكون موردا للمصلحة في نفس الامر. والعقل بعد التفاته إلى أخصية الغرض يحكم بلزوم الإطاعة على نحو يحصل به الغرض. أما توجه الامر إلى ذات الفعل فلعدم امكان اخذ حصوله بداعي الامر في المطلوب من جهة لزوم الدور. وأما أن العقل يحكم بلزوم اتيان الفعل بداعي الامر، فلانه ما لم يسقط الغرض لم يسقط الامر، لان الغرض كما صار سببا لحدوثه كذلك يصير سببا لبقائه، لان البقاء لو لم يكن أخف مؤنة من الحدوث فلا أقل من التساوي. والعقل حاكم بلزوم اسقاط الامر المعلوم.
وفيه انه لا يعقل بقاء الامر مع اتيان ما هو مطلوب به على ما هو عليه [108] لان بقاء الامر مع ذلك مستلزم لطلب الحاصل وهذا واضح
____________________
[108] وذلك لان المأمور به بالفرض ليس الا الطبيعة بلا اخذ شئ فيها، نعم هي لا تكون مطلوبة في نفسها بل امر بها لتمكن المكلف من إتيانها مع القيد، وحينئذ ان كان بقاء الامر بمعنى لزوم اتيان أصل الطبيعة من دون اخذ شئ فيها حتى الوجود الثاني منها، فهو طلب للحاصل، وان اخذ فيها ذلك فهو غير ما امر بها أولا، نعم يمكن تصحيح ذلك بتقريب يأتي تفصيله في المقدمة الموصلة انشاء الله تعالى وإجمال في المقام أن الامر بالذات لما لم يكن لنفسها، بل يكون لمطلوب آخر وهو الذات مع قصد القربة لم تلاحظ الذات حين الامر الا مقرونة بالقصد، لا بنحو يكون قيدا للمأمور به، بل لا ترى الذات محبوبة الا ملحوظة مع القصد، فيكون للحال المذكور دخل في الحكم، ولازم ذلك عدم سقوط الامر الا باتيان الذات بقصد الامر، لا لعدم حصول قيد المأمور به، بل لعدم اطلاق للحكم يشمل غير الحالة المذكورة، وهي مقارنته للقصد المذكور، وسيجيئ تفصيله انشاء الله تعالى.