والمودة وهم في الباطن بخلاف ذلك من كل وجه كما قال تعالى " وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " وذلك أشد الغيظ والحنق " قال الله تعالى " قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور " أي مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين ومكمل دينه ومعل كلمته ومظهر دينه فموتوا أنتم بغيظكم " إن الله عليم بذات الصدور " أي هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تأملون وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها لا محيد لكم عنها ولا خروج لكم منها. ثم قال تعالى " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها " وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد وكثروا وعز أنصارهم ساء ذلك المنافقين وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب أو أديل عليهم الأعداء لما لله تعالى في ذلك من الحكمة كما جرى يوم أحد - فرح المنافقون بذلك قال الله تعالى مخاطبا المؤمنين: " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا " الآية يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم فلا حول ولا قوة لهم إلا به وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا يقع في الوجود شئ إلا بتقديره ومشيئته ومن توكل عليه كفاه.
ثم شرع تعالى في ذكر قصة أحد وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين والتمييز بين المؤمنين والمنافقين وبيان الصابرين فقال تعالى.
وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم (121) إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون (122) ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (123) المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغير واحد. وعن الحسن البصري المراد بذلك يوم الأحزاب. ورواه ابن جرير وهو غريب لا يعول عليه. وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة قال قتادة: لاحدى عشرة ليلة خلت من شوال وقال عكرمة: يوم السبت للنصف من شوال فالله أعلم. وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان قال أبناء من قتل ورؤساء من بقي لأبي سفيان: ارصد هذه الأموال لقتال محمد فأنفقوها في ذلك فجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في نحو من ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس " أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة "؟ فأشار عبد الله بن أبي بالمقام بالمدينة فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وأن رجعوا رجعوا خائبين وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لامته وخرج عليهم وقد ندم بعضهم وقالوا: لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن شئت أن نمكث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يرجع حتى يحكم الله له " فسار صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه فلما كانوا بالشوط رجع عبد الله بن أبي بثلث الجيش مغضبا لكونه لم يرجع إلى قوله وقال هو وأصحابه: لو نعلم اليوم قتالا لاتبعناكم ولكنا لا نراكم تقاتلون. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي: وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال " لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال " وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه. وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف. والرماة يومئذ خمسون رجلا فقال لهم " انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين