كطولها لأنها قبة فيه تحت العرش والشئ المقبب والمستدير عرضه كطوله وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وسقفها عرش الرحمن " وهذه الآية كقوله في سورة الحديد " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " الآية. وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنك دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ". وقد رواه ابن جرير فقال حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن أبي خيثمة عن سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة قال لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص شيخا كبيرا قد فسد فقال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل فتناول الصحيفة رجل عن يساره قال: قلت من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية فإذا كتاب صاحبي: إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ". وقال الأعمش وسفيان الثوري وشعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب: أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل وإذا جاء الليل أين النهار فقالوا: لقد نزعت مثلها من التوراة رواه ابن جرير من ثلاثة طرق. ثم قال: حدثنا أحمد بن حازم حدثنا أبو نعيم حدثنا جعفر بن برقان أنبأنا يزيد بن الأصم: أن رجلا من أهل الكتاب قال: يقولون " جنة عرضها السماوات والأرض " فأين النار؟ فقال ابن عباس رضي الله عنه أين يكون الليل إذا جاء النهار وأين يكون النهار إذا جاء الليل. وقد روى هذا مرفوعا فقال البزار حدثنا محمد بن معمر حدثنا المغيرة بن سلمة أبو هشام حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم عن عمه يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت قوله تعالى " جنة عرضها السماوات والأرض " فأين النار؟ قال " أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شئ فأين النهار "؟ قال: حيث شاء الله قال " وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل ". وهذا يحتمل معنيين " أحدهما " أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان وإن كنا لا نعلمه: وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة عن البزار " الثاني " أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السماوات تحت العرش وعرضها كما قال الله عز وجل " كعرض السماوات والأرض " والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السماوات والأرض وبين وجود النار والله أعلم.
ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة فقال " الذين ينفقون في السراء والضراء " أي في الشدة والرخاء والمنشط والمكره والصحة والمرض. وفي جميع الأحوال كما قال " الذين ينفقون بالليل والنهار سرا وعلانية " والمعنى أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى والانفاق في مراضيه والاحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر وقوله تعالى " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس " أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم: وقد ورد في بعض الآثار " يقول الله تعالى: يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أهلك " رواه ابن أبي حاتم. وقد قال أبو يعلى في مسنده: حدثنا أبو موسى الزمن حدثنا عيسى بن شعيب الضرير أبو الفضل حدثني الربيع بن سليمان النميري عن أبي عمرو بن أنس بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر إلي قبل الله عذره ". وهذا حديث غريب وفي إسناده نظر. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن حدثنا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " وقد رواه الشيخان من حديث مالك. وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله وهو ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله "؟ قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه قال " اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال