قال محمد بن كعب القرظي والسدي وابن قتادة: سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء كما نزلت التوراة على موسى مكتوبة قال ابن جريج: سألوه أن ينزل عليهم صحفا من الله مكتوبة إلى فلان وفلان وفلان بتصديقه فيما جاءهم به وهذا إنما قالوه على سبيل التعنت والعناد والكفر والالحاد كما سأل كفار قريش قبلهم نظير ذلك كما هو مذكور في سورة سبحان " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " الآيات ولهذا قال تعالى " فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم " أي بطغيانهم وبغيهم وعتوهم وعنادهم وهذا مفسر في سورة البقرة حيث يقول تعالى " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " وقوله تعالى " ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات " أي من بعد ما رأوا من الآيات الباهرة والأدلة القاهرة على يد موسى عليه السلام في بلاد مصر وما كان من إهلاك عدو الله فرعون وجميع جنوده في اليم فما جاوزوه إلا يسيرا حتى أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا لموسى " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " الآيتين ثم ذكر تعالى قصة اتخاذهم العجل مبسوطة في سورة الأعراف وفي سورة طه بعد ذهاب موسى إلى مناجاة الله عز وجل ثم لما رجع وكان ما كان جعل الله توبتهم من الذي صنعوه وابتدعوه أن يقتل من لم يعبد العجل منهم من عبده فجعل يقتل بعضهم بعضا ثم أحياهم الله عز وجل وقال الله تعالى " فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا " ثم قال " ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم " وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى عليه السلام ورفع الله على رؤسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا وجعلوا ينظرون إلى فوق رؤوسهم خشية أن يسقط عليهم كما قال تعالى " وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة " الآية " وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا " أي فخالفوا ما أمروا به من القول والفعل فإنهم أمروا أن يدخلوا باب بيت القدس سجدا وهم يقولون حطة. أي اللهم حط عنا ذنوبنا في تركنا الجهاد ونكولنا عنه حتى تهنا في التيه أربعين سنة فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعرة " وقلنا لهم لا تعدوا في السبت " أي وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرم الله عليهم ما دام مشروعا لهم " وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " أي شديدا فخالفوا وعصوا وتحيلوا على ارتكاب ما حرم الله عز وجل كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله: " واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " الآيات وسيأتي حديث صفوان بن عسال في سورة سبحان عند قوله: " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات وفيه: وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت.
فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (155) وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما (156) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا (157) بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما (158) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (159) وهذا من الذنوب التي ارتكبوها مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم وكفرهم بآيات الله أي حججه وبراهينه والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام قوله: " وقتلهم الأنبياء بغير حق " وذلك لكثرة إجرامهم واجترائهم على أنبياء الله فإنهم قتلوا جما غفيرا من الأنبياء عليهم السلام وقولهم " قلوبنا غلف " قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة