من قبلكم والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم " وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين. وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار. وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأخر آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين. وتهيأت قريش وهم ثلاثة آلاف.
ومعهم مائة فرس قد جنبوها. فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل.
ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى. ولهذا قال تعالى " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " أي تنزلهم منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم " والله سميع عليم " أي سميع لما تقولون عليم بضمائركم.
وقد أورد ابن جرير ههنا سؤالا حاصله كيف تقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة وقد قال الله تعالى " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " الآية. ثم كان جوابه عنه أن غدوه ليبوأهم مقاعد إنما كان يوم السبت أول النهار. وقوله تعالى " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " الآية. قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عمر سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا " الآية. قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما نحب - وقال سفيان مرة - وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى " والله وليهما ". وكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به وكذا قال غير واحد من السلف إنهم بنو حارثة وبنو سلمة. وقوله تعالى " ولقد نصركم الله ببدر " أي يوم بدر وكان يوم جمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الاسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فارسان وسبعون بعيرا والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه. وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض وجه النبي وقبيله وأخزى الشيطان وجيله ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا - إلى - غفور رحيم " وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وابن حسنة وخالد بن الوليد وعياض - وليس عياض هذا الذي حدث سماكا - قال:
وقال عمر: إذا كان قتالا فعليكم أبو عبيدة قال: فكتبنا إليه أنه قد جأش إلينا الموت واستمددناه فكتب إلينا إنه قد جاءني كتابكم تستمدونني وإني أدلكم على من هو أعز نصرا وأحصن جندا الله عز وجل فاستنصروه فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نصر في يوم بدر في أقل من عدتكم فإذا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني قال: فقاتلناهم فهزمناهم أربع فراسخ قال: وأصبنا أموالا فتشاورنا فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنني؟ فقال شاب أنا إن لم تغضب قال: فسبقه فرأيت عقيصتي أبي عبيدة ينفران وهو خلفه على فرس أعرابي وهذا إسناد صحيح وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بندار عن غندر بنحوه واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه وبدر محلة بين مكة والمدينة تعرف ببئرها منسوبة إلى رجل حفرها يقال له بدر بن النارين قال الشعبي. بدر بئر لرجل يسمى بدرا: وقوله " فاتقوا الله لعلكم تشكرون " أي تقومون بطاعته.
إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين (124) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين (125) وما جعله الله إلا بشرى