روي عن ابن عباس وغيره والمعنى على ذلك لان موسى عليه السلام يقول لهم هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز بل هو كثيرا في أي بلد دخلتموها وجدتموه فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه. ولهذا قال " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " أي ما طلبتم ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا إليه والله أعلم.
وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (61) يقول تعالى " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " أي وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا أي لا يزالون مستذلين من وجدهم استذلهم وأهانهم وضرب عليهم الصغار وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء مستكينون. وقال الضحاك عن ابن عباس " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " قال هم أصحاب القبالات، يعني الجزية. وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله تعالى " وضربت عليهم الذلة " قال يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وقال الضحاك وضربت عليهم الذلة قال الذل. وقال الحسن أذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية، وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي المسكنة الفاقة. وقال عطية العوفي الخراج، وقال الضحاك الجزية. وقوله تعالى " وباءوا بغضب من الله " قال الضحاك استحقوا لغضب من الله، وقال الربيع بن أنس فحدث عليهم غضب من الله وقال سعيد بن جبير " وباءوا بغضب من الله " يقول استوجبوا سخطا، وقال ابن جرير: يعني بقوله " وباءوا بغضب من الله " انصرفوا ورجعوا ولا يقال باء إلا موصولا إما بخير وإما بشر يقال منه باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء ومنه قوله تعالى " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " يعني تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني. فمعنى الكلام إذا رجعوا منصرفين متحملين غضب الله قد صار عليهم من الله غضب ووجب عليهم من الله سخط. وقوله تعالى " ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق " يقول تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة بسبب استكبارهم عن اتباع الحق وكفرهم بآيات الله وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم فلا كفر أعظم من هذا، أنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الكبر بطر الحق وغمط الناس " وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا إسماعيل عن ابن عون عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود كنت لا أحجب عن النجوى ولا عن كذا ولا عن كذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي فأدركته من آخر حديثه وهو يقول يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى فما أحب أن أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو البغي؟ فقال " لا ليس ذلك من البغي ولكن البغي من بطر أو قال سفه الحق وغمط الناس " يعني رد الحق وانتقاص الناس والازدراء بهم والتعاظم عليهم ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله وقتلهم أنبياءه أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة جزاء وفاقا، قال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا أبان حدثنا عاصم عن أبي وائل عن عبد الله يعني ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين " وقوله تعالى " ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون فالعصيان فعل المناهي والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به والله أعلم.