لاتبعناكم فإنهم يتحققون أن جندا من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسب ما أصيب من أشرافهم يوم بدر وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتالا لا محالة ولهذا قال تعالى " والله أعلم بما يكتمون " ثم قال تعالى " الذين قالوا لاخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا " أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل قال الله تعالى " قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين " أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت فينبغي أنكم لا تموتون والموت لابد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبد الله: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه.
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172) الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175) يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار. قال محمد بن جرير: حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة حدثنا إسحاق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله إلى أهل بئر معونة قال: لا أدري أربعين أو سبعين وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري فخرج أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوا غارا مشرفا على الماء فقعدوا فيه ثم قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء فقال - أراه أبو ملحان الأنصاري أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى أتى حول بيتهم فاجتثى أمام البيوت ثم قال يا أهل بئر معونة إني رسول الله إليكم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل وقال ابن إسحاق: حدثني أنس بن مالك أن الله أنزل فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زمانا وأنزل الله تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال: إنا سألنا عبد الله عن هذه الآية. " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع عليهم ربهم إطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ فقالوا: أي شئ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " وقد روي نحوه من حديث أنس وأبي سعيد " حديث آخر " قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل