وقوله " وإن تلووا أو تعرضوا " قال مجاهد وغير واحد من السلف تلووا أي تحرفوا الشهادة وتغيروها واللي هو التحريف وتعمد الكذب. قال تعالى " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب " الآية والاعراض هو كتمان الشهادة وتركها. قال تعالى " ومن يكتمها فإنه أثم قلبه " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسئلها " ولهذا توعدهم الله بقوله " فإن الله كان بما تعملون خبيرا " أي وسيجازيكم بذلك.
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا (136) يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الايمان وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه كما يقول المؤمن في كل صلاة " اهدنا الصراط المستقيم " أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه فأمرهم بالايمان به وبرسوله كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله " وقوله " والكتاب الذي نزل على رسوله " يعني القرآن " والكتاب الذي أنزل من قبل وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة وقال في القرآن نزل لأنه " نزل " متفرقا منجما على الوقائع بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملة واحدة لهذا قال تعالى " والكتاب الذي أنزل من قبل " ثم قال تعالى " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا " أي فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن القصد كل البعد.
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (137) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (138) الين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا (139) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا (140) يخبر تعالى عمن دخل في الايمان ثم رجع عنه ثم عاد فيه ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى ولهذا قال " لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا حفص بن جميع عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى " ثم ازدادوا كفرا " قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا وكذا قال مجاهد.
وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثا ثم تلا هذه الآية " إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " ثم قال " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما " يعني أن المنافقين من هذه الصفة فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة ويقولون لهم إذا خلوا بهم إنما نحن معكم إنما نحن مستهزؤن أي بالمؤمنين في إظهارنا لهم الموافقة، فقال الله تعالى منكرا عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين " أيبتغون عندهم العزة " ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له كما قال تعالى في الآية الأخرى " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " وقال تعالى " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " والمقصود من هذا التهييج على