عهدي الظالمين " قال لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وعاش وكذا قال: إبراهيم النخعي وعطاء والحسن وعكرمة وقال الربيع بن أنس عهد الله الذي عهد إلى عباده دينه يقول لا ينال دينه الظالمين ألا ترى أنه قال " وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين " يقول ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق وكذا روي عن أبي العالية وعطاء ومقاتل بن حيان وقال: جويبر عن الضحاك لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني: وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سعيد الدامغاني أخبرنا وكيع عن الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينال عهدي الظالمين " قال " لا طاعة إلا في المعروف وقال السدي " لا ينال عهدي الظالمين " يقول عهدي نبوتي - فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل عليه السلام أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه كما تقدم عن مجاهد وغيره والله أعلم وقال ابن خويز منداد المالكي:
الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ولا شاهدا ولا راويا.
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قال العوفي عن ابن عباس قوله تعالى " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " يقول لا يقضون منه وطرا يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثابة للناس يقول يثوبون. رواهما ابن جرير: وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبي أخبرنا عبد الله بن رجاء أخبرنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال يثوبون إليه ثم يرجعون " قال: وروى عن أبي العالية وسعيد بن جبير في رواية عطاء ومجاهد والحسن وعطية والربيع بن أنس والضحاك نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثني عبد الكريم بن أبي عمير حدثني الوليد بن مسلم قال: قال أبو عمرو يعني الأوزاعي: حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله تعالى " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا. وحدثني يونس عن ابن وهب قال: قال ابن زيد " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس " قال يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه. وما أحسن ما قال:
الشاعر في هذا المعنى أورده القرطبي:
جعل البيت مثابا لهم * ليس منه الدهر يقضون الوطر وقال سعيد بن جبير في الرواية الأخرى وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني " مثابة للناس " أي مجمعا " وأمنا " قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمنا للناس. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " يقول وأمنا من العدو وأن يحمل فيه السلاح وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون. وروى عن مجاهد وعطاء والسدي وقتادة والربيع بن أنس قالوا من دخله كان آمنا.
ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابه للناس أي جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضي منه وطرا ولو ترددت إليه كل عام استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام في قوله فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم إلى أن قال " ربنا وتقبل دعائي " ويصفه تعالى بأنه جعله آمنا من دخله أمن ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فيه فلا يعرض له كما وصف في سورة المائدة بقوله تعالى " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس " أي يدفع عنهم بسبب تعظيمها السوء كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت لاطبق الله السماء على الأرض وما هذا الشرف إلا شرف بانيه أولا وهو خليل الرحمن كما قال تعالى " وإذ بوأنا