بالشق الآخر فرحمهم الله فكشفه عنهم فقالوا والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك، وذلك قول الله تعالى " ورفعنا فوقكم الطور " وقال الحسن في قوله " خذوا ما آتيناكم بقوة " يعني التوراة، وقال أبو العالية والربيع بن أنس بقوة أي بطاعة، وقال مجاهد: بقوة بعمل بما فيه، وقال قتادة " خذوا ما آتيناكم بقوة " قوة الجد وإلا قذفته عليكم. قال: فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة، ومعنى قوله وإلا قذفته عليكم أي أسقطه عليكم، يعني الجبل. وقال أبو العالية والربيع " واذكروا ما فيه " يقول اقرءوا ما في التوراة واعملوا به، وقوله تعالى " ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم " يقول تعالى، ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وأنثنيتم ونقضتموه " فلولا فضل الله عليكم ورحمته " أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم " لكنتم من الخاسرين " بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة.
ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين (65) فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين (66) يقول تعالى " ولقد علمتم " يا معشر اليهود ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره إذ كان مشروعا لهم فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت، فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة وهي أشبه شئ بالأناسي في الشكل الظاهر وليس بإنسان حقيقة، فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن كان جزاؤهم من جنس عملهم، وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون " القصة بكمالها. وقال السدي: أهل هذه القرية هم أهل أيلة، وكذا قال قتادة وسنورد أقوال المفسرين هناك مبسوطة إن شاء الله وبه الثقة، وقوله تعالى " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة. وإنما هو مثل ضربه الله " كمثل الحمار يحمل أسفارا " ورواه ابن جرير عن المثنى عن أبي حذيفة وعن محمد بن عمر الباهلي وعن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به وهذا سند جيد عن مجاهد وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره قال الله تعالى " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت " الآية، وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " فجعل الله منهم القردة والخنازير، فزعم أن شباب القوم صاروا قردة، وأن الشيخة صاروا خنازير: وقال شيبان النحوي عن قتادة " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " فصار القوم قردة تعاوى لها أذناب بعد ما كانوا رجالا ونساء وقال عطاء الخراساني نودوا يا أهل القرية " كونوا قردة خاسئين " فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون يا فلان ألم ننهكم فيقولون برؤوسهم أي بلى، وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن حدثنا عبد الله بن محمد بن ربيعة بالمصيصية حدثنا محمد بن مسلم يعني الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقا ثم هلكوا ما كان للمسخ نسل. وقال الضحاك عن ابن عباس فمسخهم الله قردة بمعصيتهم يقول إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام قال ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل، وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة أيام التي ذكرها الله في كتابه فمسخ هؤلاء القوم في