فاستهزؤا بآيات الله المنزلة على رسله فلهذا استحقوا العذاب والنكال ولهذا قال " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ".
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من أمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177) اشتملت هذه الآية الكريمة على جمل عظيمة وقواعد عميمة وعقيدة مستقيمة كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبيد بن هشام الحلبي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عامر بن شفي عن عبد الكريم عن مجاهد عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الايمان؟ فتلا عليه " ليس البر أن تولوا وجوهكم " إلى آخر الآية قال: ثم سأله أيضا فتلاها عليه ثم سأله فقال: " إذا عملت حسنة أحبها قلبك وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك " وهذا منقطع فإن مجاهدا لم يدرك أبا ذر فإنه مات قديما وقال المسعودي: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن قال جاء رجل إلى أبي ذر فقال ما الايمان؟ فقرأ عليه هذه الآية " ليس البر أن تولوا وجوهكم " حتى فرغ منها فقال الرجل ليس عن البر سألتك فقال أبو ذر جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه فقرأ عليه هذه الآية فأبي أن يرضى كما أبيت أن ترضى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيده " المؤمن إذا عمل حسنة سرته ورجا ثوابها وإذا عمل سيئة أحزنته وخاف عقابها " رواه ابن مردويه وهذا أيضا منقطع والله أعلم.
وأما الكلام على تفسير هذه الآية فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس ثم حولهم إلى الكعبة شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل وامتثال أوامره والتوجه حيثما وجه واتباع ما شرع فهذا هو البر والتقوى والايمان الكامل وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق أو المغرب بر ولا طاعة إن لم يكن عن أمر الله وشرعه ولهذا قال " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " الآية كما قال في الأضاحي والهدايا " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا فهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ونزلت الفرائض والحدود فأمر الله بالفرائض والعمل بها وروي عن الضحاك ومقاتل نحو ذلك وقال أبو العالية: كانت اليهود تقبل قبل المغرب وكانت النصارى تقبل قبل المشرق فقال الله تعالى " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " يقول هذا كلام الايمان وحقيقته العمل وروي عن الحسن والربيع بن أنس مثله. وقال مجاهد: ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله عز وجل وقال الضحاك: ولكن البر والتقوى أن تؤدوا الفرائض على وجوهها وقال الثوري: " ولكن البر من آمن بالله " الآية قال هذه أنواع البر كلها وصدق رحمه الله فإن من اتصف بهذه الآية فقد دخل في عرى الاسلام كلها وأخذ بمجامع الخير كله وهو الايمان بالله وأنه لا إله إلا هو وصدق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله " والكتاب " وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء حتى ختمت بأشرفها وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب الذي انتهى إليه كل خير واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة ونسخ به كل ما سواه من الكتب قبله وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وقوله " وآتى المال على حبه " أي أخرجه وهو محب له راغب فيه نص على ذلك ابن مسعود وسعيد بن جبير وغيرهما من السلف والخلف كما