شهيدا وتدخل الجنة " فقال: بلى يا رسول الله فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب - وقوله تعالى " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " يقرأ بالتاء على مخاطبة المفرد وبالياء على الاخبار عنهم أي لا تحسب أنهم ناجون من العذاب: بل لابد لهم منه ولهذا قال تعالى " ولهم عذاب أليم " ثم قال تعالى " ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شئ قدير " أي هو مالك كل شئ والقادر على كل شئ فلا يعجزه شئ فهابوه ولا تخالفوه واحذروا غضبه ونقمته فإنه العظيم الذي لا أعظم منه القدير الذي لا أقدر منه.
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (192) ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (193) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (194) قال الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا يحيى الحماني حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا: بم جاءكم موسى؟ قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى؟ قالوا: كان يبرئ الأكمة والأبرص ويحيى الموتى: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت هذه الآية " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " فليتفكروا فيها. وهذا مشكل فإن هذه الآية مدنية وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة والله أعلم. ومعنى الآية أن الله تعالى يقول " إن في خلق السماوات والأرض " أي هذه في ارتفاعها واتساعها وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص " واختلاف الليل والنهار " أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر. فتارة يطول هذا ويقصر هذا ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز العليم ولهذا قال تعالى " لآيات لأولي الألباب " أي العقول التامة الزكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها. وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون الذين قال الله فيهم " وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " كما ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك " أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم " ويتفكرون في خلق السماوات والأرض " أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وحكمته واختياره ورحمته. وقال الشيخ أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شئ إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والاعتبار. وعن الحسن البصري أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقال الفضيل: قال الحسن: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئآتك. وقال سفيان بن عيينة: الفكر نور يدخل قلبك وربما تمثل بهذا البيت:
إذا المرء كانت له فكرة * ففي كل شي له عبرة