دري عبد الله ما يقول وقال: لو رخصنا لهم في التيمم لاوشك أحدهم إذا برد الماء على جلده أن يتيمم وقال في المائدة " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " فقد استدل بذلك لقول الشافعي على أنه لا بد في التيمم أن يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شئ كما روى الشافعي بإسناده المتقدم عن ابن الصمة أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه فضرب بيده عليه فمسح بها وجهه وذراعيه. وقوله " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " أي في الدين الذي شرعه لكم " ولكن يريد ليطهركم " فلهذا أباح التيمم إذا لم يجدوا الماء أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد والتيمم نعمة عليكم لعلكم تشكرون ولهذا كانت هذه الأمة مخصوصة بمشروعية التيمم دون سائر الأمم كما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل - وفي لفظ: فعنده مسجده وطهوره - وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان يبعث النبي إلى قومه وبعثت إلى الناس كافة " وتقدم في حديث حذيفة عند مسلم " فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها طهورا إذا لم نجد الماء " وقال تعالى في هذه الآية الكريم " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا " أي ومن عفوه عنكم وغفرانه لكم أن شرع لكم التيمم وأباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم الماء توسعة عليكم ورخصة لكم وذلك أن هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصلاة أن تفعل على هيئة ناقصة من سكر حتى يصحو المكلف ويعقل ما يقول أو جنابة حتى يغتسل أو حدث حتى يتوضأ إلا أن يكون مريضا أو عادما للماء فإن الله عز وجل قد أرخص في التيمم والحالة هذه رحمة بعباده ورأفة بهم وتوسعة عليهم ولله الحمد والمنة.
" ذكر سبب نزول مشروعية التيمم " وإنما ذكرنا ذلك ههنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير في محاصرة النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل ولا سيما صدرها فناسب أن يذكر السبب هنا وبالله الثقة. قال أحمد:
حدثنا ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى اله عليه وسلم رجالا في طلبها فوجدوها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوها بغير وضوء فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم فقال أسيد بن الحضير لعائشة: جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا.
" طريق أخرى " قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ماء حين أصبح فأنزل الله آية التيمم فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
وقد رواه البخاري أيضا عن قتيبة عن إسماعيل ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك.
" حديث آخر " قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح قال ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بذات الجيش ومعه زوجته عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء فأنزل الله على رسوله رخصة التطهير بالصعيد