تدوين التفسير على عهد التابعين مع بداية القرن الثاني للهجرة، بدأ المسلمون بتدوين علومهم، بعد أن كانوا يعتمدون على الرواية في حفظها وتبليغها، وأصدر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (ت 101 ه) أمره لعماله في الآفاق بجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان التفسير بابا من أبواب الحديث، ولم يفرد له أول الأمر تأليف خاص يفسر القران سورة سورة من مبدئه إلى منتهاه، ثم انفصل التفسير تدريجيا عن الحديث، وبدأت تظهر المحاولات الأولى للتأليف في تفسير القران تمثلت بكتب " غريب القرآن " التي تناولت ألفاظه فقط ككتب الرؤاسي (ت 170 ه) والكسائي (ت 189 ه) والفراء (ت 207 ه)، ثم ظهرت التفاسير الأولى التي تناولت السور والآيات كتفسير ابن ماجة (ت 273 ه) وابن جرير الطبري (ت 310)، وابن المنذر النيسابوري (ت 318 ه) وابن أبي حاتم (ت 327 ه)... وتناولت هذه التفاسير الأولى غريب الألفاظ، وإيراد ما ورد من الحديث وأقوال الصحابة والتابعين في تفسير بعض الآيات.
أنواع التفسير كانت المحاولات الأولى للتفسير تعتمد على المأثور من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نقل عن السلف، ثم تدرج التفسير بعد ذلك لتدوين العلوم العقلية إضافة للتفسير النقلي، وبدأ هذا الجانب يتضخم شيئا فشيئا متأثرا بالمعارف العامة، والعلوم المتنوعة، والآراء المتشعبة، والعقائد المتباينة، وامتزج كل ذلك بالتفسير وتحكمت الاصطلاحات العلمية والعقائد المذهبية بعبارات القران الكريم، وظهرت آثار الثقافات والفلسفات في تفاسير القران، وراح كل من برع في من الفنون يفسر القران على الفن الذي برع فيه:
* التفاسير اللغوية: فاللغوي، والنحوي يهتم بجانب الاعراب ووجوهه، والنحو ومسائله وفروعه وخلافياته، ويكثر من الشواهد والشعرية كما فعل الزجاج، والواحدي في " السبط " وأبو حيان في " البحر المحيط "...
* التفاسير العقلية: ومنهم من عني في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة، يذكر شبههم والرد عليهم، كما فعل الفخر الرازي في تفسيره " مفاتيح الغيب "...
* التفاسير الفقهية: وهي التي عني مؤلفوها باستنباط الاحكام الفقهية من أدلتها، وإيراد الفروع الفقهية كل وفع مذهبه مع الرد على من خالفه من أصحاب المذاهب الأخرى كما فعل الحصاص الحنفي في " أحكام القران "، والقرطبي المالكي في تفسيره " الجامع لاحكام القران "..
* التفاسير التاريخية: وهي التي عني مؤلفوها بالقصص، وأخبار الأمم السابقة، كما فعل الثعلبي والخازن...
* تفاسير الفرق: وهي التي وضعها أصحاب الفرق والعقائد المتباينة، محاولين تأويل كلام الله حسب مذاهبهم، كما فعل الرماني، والجبائي، والقاضي عبد الجبار، والزمخشري...
* تفاسير المتصوفة: وهي التي قصد مؤلفوها نواحي الترغيب والترهيب، واستنباط الاسرار الباطنية والإشارات الرمزية، كما فعل ابن عربي، وأبو عبد الرحمن السلمي...