بقوله تعالى " كانوا لا يتناهون عن منكر " فعلوه الآية: ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم فقال تعالى " ولو آمن أهل الكتاب " أي بما أنزل على محمد " لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون " أي قليل منهم من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسق والعصيان.
ثم قال تعالى مخبرا عباده المؤمنين ومبشرا لهم أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين فقال تعالى " لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون " هكذا وقع فإنهم يوم خيبر أذلهم الله وأرغم أنوفهم وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم الله. وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين ولا تزال عصابة الاسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك ويحكم بملة الاسلام وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ولا يقبل إلا الاسلام. ثم قال تعالى " ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس " أي ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون " إلا بحبل من الله " أي بذمة من الله وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة " وحبل من الناس " أي أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة وكذا عبد على أحد قولي العلماء قال ابن عباس " إلا بحبل من الله وحبل من الناس " أي بعهد من الله وعهد من الناس وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس. وقوله " وباءوا بغضب من الله " أي ألزموا فالتزموا بغضب من الله وهم يستحقونه " وضربت عليهم المسكنة " أي الزموها قدرا وشرعا. ولهذا قال " ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق " أي إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبدا متصلا بذل الآخرة ثم قال تعالى " ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " أي إنما حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسل الله وقيضوا لذلك أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله والغشيان لمعاصي الله والاعتداء في شرع الله فعياذا بالله من ذلك والله عز وجل المستعان. قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر الأزدي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم ثلاثمائة نبي ثم يقوم سوق بقلهم في آخر النهار.
* ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين (114) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين (115) إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (116) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون (117) قال ابن أبي نجيح: زعم الحسن بن أبي يزيد العجلي عن ابن مسعود في قوله تعالى " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة " قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا قال السدي. ويؤيد هذا القول الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا: حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: " أما إنه ليس