رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: " ما فوق الإزار " ولأبي داود أيضا عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال: " ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل " وهو رواية عن عائشة كما تقدم وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها وهو أحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم ومأخذهم أنه حريم الفرج فهو حرام لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله عز وجل الذي أجمع العلماء على تحريمه وهو المباشرة في الفرج ثم من فعل ذلك فقد أثم فيستغفر الله ويتوب إليه وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا؟ فيه قولان " أحدهما " نعم لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهى حائض يتصدق بدينار أو نصف دينار وفي لفظ الترمذي " إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار " وللامام أحمد أيضا عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل في الحائض نصاب دينار فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار " والقول الثاني " وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي وقول الجمهور أنه لا شئ في ذلك بل يستغفر الله عز وجل لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث فإنه قد روي مرفوعا كما تقدم وموقوفا وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث فقوله تعالى " ولا تقربوهن حتى يطهرن " تفسير لقوله " فاعتزلوا النساء في المحيض " ونهي عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجودا ومفهومه حله إذا انقطع قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فيما أملاه في الطاعة وقوله " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث " الآية. الطهر يدل على أن يقربها فلما قالت ميمونة وعائشة كانت إحدانا إذا حاضت اتزرت ودخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شعاره دل ذلك على أنه إنما أراد الجماع.
وقوله " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " وليس له في ذلك مستند لان هذا أمر بعد الحظر وفيه أقوال لعلماء الأصول منهم من يقول إنه على الوجوب كالمطلق وهؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم ومنهم من يقول إنه للإباحة ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له عن الوجوب وفيه نظر والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد عليه الحكم إلى ما كان عليه الامر قبل النهي فإن كان واجبا فواجب كقوله " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين " أو مباحا فمباح كقوله " وإذا حللتم فاصطادوا " " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " وعلى هذا القول تجتمع الأدلة وقد حكاه الغزالي وغيره فاختاره بعض أئمة المتأخرين وهو الصحيح وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر ذلك عليها بشرطه إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده إنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل والله أعلم. وقال ابن عباس " حتى يطهرن " أي من الدم " فإذا تطهرن " أي بالماء وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن ومقاتل بن حيان والليث بن سعد وغيرهم.
وقوله " من حيث أمركم الله " قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني الفرج قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " فأتوهن من حيث أمركم الله " يقول في الفرج ولا تعدوه إلى غيره فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة " من حيث أمركم الله " أي أن تعتزلوهن وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطئ في الدبر كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله تعالى وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد " فأتوهن من حيث أمركم الله " يعني طاهرات غير حيض ولهذا قال " إن الله يحب التوابين " أي من الذنب وإن تكرر غشيانه " ويحب المتطهرين " أي المتنزهين عن الأقذار والأذى وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتى. وقوله " نساؤكم حرث لكم " قال ابن عباس: الحرث موضع الولد " فأتوا حرثكم أنى شئتم " أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد كما ثبتت بذلك الأحاديث قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن المنكدر قال