وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (163) يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية وإنه لا شريك له ولا عديل له بل هو الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة وفي الحديث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " اسم الله الأعظم في هذين الآيتين " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " و " ألم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السماوات والأرض وما فيهما وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته فقال.
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لايات لقوم يعقلون (164) يقول تعالى " إن في خلق السماوات والأرض " تلك في ارتفاعها ولطافتها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها - وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع واختلاف الليل والنهار هذا يجئ ثم يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه لا يتأخر عنه لحظة كما قال تعالى " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " وتارة يطول هذا ويقصر هذا وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتعاوضان كما قال تعالى " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " أي يزيد من هذا في هذا ومن هذا في هذا " والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس " أي في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم ونقل هذا إلى هؤلاء وما عند أولئك إلى هؤلاء " وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها " كما قال تعالى " وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * - إلى قوله - ومما لا يعلمون "، " وبث فيها من كل دابة " أي على اختلاف أشكالها وألوانها ومنافعها وصغرها وكبرها وهو يعلم ذلك كله ويرزقه لا يخفى عليه شي من ذلك كما قال تعالى " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " " وتصريف الرياح " أي فتارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب وتارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب وتارة تسوقه وتارة تجمعه وتارة تفرقه وتارة تصرفه ثم تارة تأتى من الجنوب وهي الشامية وتارة تأتي من ناحية اليمن وتارة صبا وهي الشرقية التي تصدم وجه الكعبة وتارة دبورا وهي غربية تنفذ من ناحية دبر الكعبة. وقد صنف الناس في الرياح والمطر والانواء كتبا كثيرة فيما يتعلق بلغاتها وأحكامها وبسط ذلك يطول ههنا والله أعلم " والسحاب المسخر بين السماء والأرض " أي سائر بين السماء والأرض مسخر إلى ما يشاء الله من الأراضي والأماكن كما يصرفه تعالى " لآيات لقوم يعقلون " أي في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض: ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار " وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا أبو سعيد الدشتكي حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
أتت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا نريد أن تدعو ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنشتري به الخيل والسلاح فنؤمن بك ونقاتل معك قال " أوثقوا لي لئن دعوت ربي فجعل لكم الصفا ذهبا لتؤمنن بي " فأوثقوا له فدعا ربه فأتاه جبريل فقال إن ربك قد أعطاهم الصفا ذهبا على أنهم إن لم يؤمنوا بك عذبهم عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين