وقوله " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " أي هذا الذي نهيناكم عنه من منع الولايا أن يتزوجن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف يأتمر به ويتعظ به وينفعل له " من كان منكم " أيها الناس " يؤمن بالله واليوم الآخر " أي يؤمن بشرع الله ويخاف وعيد الله وعذابه في الدار الآخرة وما فيها من الجزاء " ذلكم أزكى لكم وأطهر " أي اتباعكم شرع الله في رد الموليات إلى أزواجهن وترك الحمية في ذلك أزكى لكم وأطهر لقلوبكم " والله يعلم " أي من المصالح فيما يأمر به وينهى عنه " وأنتم لا تعلمون " في أي الخيرة فيما تأتون ولا فيما تذرون.
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتساور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير (233) هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة وهي سنتان فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك ولهذا قال " لمن أراد أن يتم الرضاعة " وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم قال الترمذي: " باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين " حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام " هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي امرأة هشام بن عروة. " قلت " تفرد الترمذي برواية هذا الحديث ورجاله على شرط الصحيحين ومعنى قوله " إلا ما كان في الثدي " أي في محل الرضاعة قبل الحولين كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن وكيع وغندر عن شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: لما مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال " إن ابني مات في الثدي إن له مرضعا في الجنة " وهكذا أخرجه البخاري من حديث شعبة وإنما قال عليه السلام ذلك لان ابنه إبراهيم عليه السلام مات وله سنة وعشرة أشهر فقال إن له مرضعا يعني تكمل رضاعه ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق الهيثم بن جميل عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين " ثم قال ولم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ. " قلت " وقد رواه الامام مالك في الموطأ عن ثور بن زيد عن ابن عباس مرفوعا ورواه الدراوردي عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس وزاد " وما كان بعد الحولين فليس بشئ " وهذا أصح.
وقال أبو داود الطيالسي عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام " وتمام الدلالة من هذا الحديث في قوله تعالى " وفصاله في عامين أن اشكر لي " وقال " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين يروى عن علي وابن عباس وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وابن عمر وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعطاء والجمهور وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحق والثوري وأبي يوسف ومحمد ومالك في رواية وعنه أن مدته سنتان وشهران وفي رواية وثلاثة أشهر. وقال أبو حنيفة سنتان وستة أشهر وقال زفر بن الهذيل ما دام يرضع فإلى ثلاث سنين وهذا رواية عن الأوزاعي قال مالك: ولو فطم الصبي دون الحولين فأرضعته امرأة بعد فصاله لم يحرم لأنه قد صار بمنزلة الطعام وهو رواية عن الأوزاعي وقد روي عن عمر وعلي أنهما قالا: لا رضاع بعد فصال فيحتمل أنهما أرادا الحولين كقول الجمهور سواء فطم أو لم يفطم ويحتمل أنهما أرادا الفعل كقول مالك والله أعلم.