إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما (92) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93) يقول تعالى ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة " ثم إذا وقع شئ من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله وإنما ذلك إلى الامام أو نائبه وقوله " إلا خطأ " قالوا هو استثناء منقطع كقول الشاعر:
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ * على الأرض إلا ريط برد مرحل ولهذا شواهد كثيرة واختلف في سبب نزول هذه فقال مجاهد وغير واحد نزلت في عياش ابن أبي ربيعة أخي أبي جهل لامه وهى أسماء بنت مخرمة وذلك أنه قتل رجلا يعذبه مع أخيه على الاسلام وهو الحارث بن يزيد الغامدي فأضمر له عياش السوء فأسلم ذلك الرجل وهاجر وعياش لا يشعر فلما كان يوم الفتح رآه فظن أنه على دينه فحمل عليه فقتله فأنزل الله هذه الآية قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نزلت في أبي الدرداء لأنه قتل رجلا وقد قال كلمة الايمان حين رفع عليه السيف فأهوى به إليه فقال كلمته فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال إنما قالها متعوذا فقال له " هل شققت عن قلبه " وهذه القصة في الصحيح لغير أبي الدرداء. وقوله " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " هذان واجبان في قتل الخطأ أحدهما الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم وإن كان خطأ ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة فلا تجزئ الكافرة وحكى ابن جرير عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا لا يجزئ الصغير حتى يكون قاصدا للايمان وروى من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في مصحف أبي " فتحرير رقبة مؤمنة " لا يجزى فيها صبي. واختار ابن جرير أنه إن كان مولودا بين أبوين مسلمين أجزأ وإلا فلا والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلما صح عتقه عن الكفارة سواء كان صغيرا أو كبيرا قال الإمام أحمد أنبأنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء فقال يا رسول الله إن على عتق رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ " قالت نعم. قال " أتشهدين أني رسول الله؟ " قال نعم قال " أتؤمنين بالبعث بعد الموت " قالت نعم قال " أعتقها " وهذا إسناد صحيح وجهالة الصحابي لا تضره. وفي موطأ مالك ومسند الشافعي وأحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من طريق هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الله " قالت في السماء قال " من أنا " قالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أعتقها فإنها مؤمنة " وقوله " ودية مسلمة إلى أهله " هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل عوضا لهم عما فاتهم من قتيلهم وهذه الدية إنما تجب أخماسا كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الحجاج بن أرطاة عن زيد بن بن جبير عن خشف بن مالك عن ابن مسعود قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين بني مخاض ذكورا وعشرين بنت لبون وعشرين جذعة وعشرين حقة لفظ النسائي قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روى عن عبد الله موقوفا كما روى عن علي وطائفة وقيل تجب أرباعا وهذه الدية إنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله قال الشافعي رحمه الله لم أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة وهو أكثر من حديث الخاصة. وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قد ثبت في غير ما حديث فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وهذا يقتضي أن حكم عمد الخطأ حكم الخطأ المحض