طلب العزة من جناب الله والاقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا أبو بكر بن عياش عن حميد الكندي عن عبادة بن نسي عن أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وفخرا فهو عاشرهم في النار " تفرد به أحمد وأبو ريحانة هذا هو أزدي ويقال أنصاري واسمه شمعون بالمعجمة فيما قاله البخاري وقال غيره بالمهملة والله أعلم وقوله " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم " أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه فلهذا قال تعالى " إنكم إذا مثلهم " في المأثم كما جاء في الحديث " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام وهي مكية " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم " الآية قال مقاتل بن حيان: نسخت هذه الآية التي في سورة الأنعام يعني نسخ قوله " إنكم إذا مثلهم " لقوله " وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ ولكن ذكرى لعلهم يتقون " وقوله " إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا " أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبدا ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.
الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (141) يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء بمعنى ينتظرون زوال دولتهم وظهور الكفرة عليهم وذهاب ملتهم " فإن كان لكم فتح من الله " أي نصر وتأييد وظفر وغنيمة " قالوا ألم نكن معكم " أي يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة " وإن كان للكافرين نصيب " أي إدالة على المؤمنين " في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد فإن الرسل تبتلى ثم يكون لها العافية قالوا " ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين " أي ساعدناكم في الباطن وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم وقال السدي: نستحوذ عليكم نغلب عليكم كقوله " استحوذ عليهم الشيطان " وهذا أيضا تودد منهم إليهم فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وقلة إيقانهم. قال تعالى " فالله يحكم بينكم يوم القيامة " أي بما يعلمه منكم أيها المنافقون من البواطن الرديئة فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرا في الحياة الدنيا لما له في ذلك من الحكمة فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويحصل ما في الصدور وقوله " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " قال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري عن الأعمش عن ذر عن سبيع الكندي قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال كيف هذه الآية " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " فقال علي رضي الله عنه أدنه أدنه فالله يحكم بينكم يوم القيامة " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ". وكذا روى ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا قال ذاك يوم القيامة. وكذا روى السدي عن أبي مالك الأشجعي يعني يوم القيامة. وقال السدي: سبيلا أي حجة ويحتمل أن يكون المعنى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " أي في الدنيا بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة كما قال تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا " الآية وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم كما قال