وكذلك أمهات النبيين يرين " وكذلك رواه ابن وهب والليث وكاتبه عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح وتابعه أبو بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد به، وقال الإمام أحمد أيضا أخبرنا أبو النضر أخبرنا الفرج أخبرنا لقمان بن عامر قال: سمعت أبا أمامة قال: قلت يا رسول الله ما كان أول بدء أمرك؟ قال " دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بي ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس إبراهيم عليه السلام ولم يزل ذكره في الناس مذكورا مشهورا سائرا حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبا وهو عيسى ابن مريم عليه السلام حيث قام في بني إسرائيل خطيبا وقال " إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " ولهذا قال في هذا الحديث " دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ابن مريم ". وقوله " ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " قيل كان مناما رأته حين حملت به وقصته على قومها فشاع فيهم وأشتهر بينهم وكان ذلك توطئة وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلا للاسلام وأهله وبها ينزل عيسى ابن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها ولهذا جاء في الصحيحين " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " وفي صحيح البخاري " وهم بالشام " قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم " يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقيل له قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان وكذا قال السدي وقتادة وقوله تعالى " ويعلمهم الكتاب " يعني " القرآن والحكمة " يعني السنة قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك وغيرهم وقيل الفهم في الدين ولا منافاة " ويزكيهم " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني طاعة الله والاخلاص وقال: محمد بن إسحاق " ويعلمهم الكتاب والحكمة " قال يعلمهم الخير فيفعلوه والشر فيتقوه ويخبرهم برضا الله عنهم إذا أطاعوه ليستكثروا من طاعته ويجتنبوا ما يسخطه من معصيته وقوله " إنك أنت العزيز الحكيم " أي العزيز الذي لا يعجزه شئ وهو قادر على كل شئ الحكيم في أفعاله وأقواله فيضع الأشياء في محالها وحكمته وعدله.
ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (130) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131) ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132) يقول تبارك وتعالى ردا على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله المخالف لملة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء فإنه جرد توحيد ربه تبارك وتعالى فلم يدع معه غيره ولا أشرك به طرفة عين وتبرأ من كل معبود سواه وخالف في ذلك سائر قومه حتى تبرأ من أبيه فقال " يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين " وقال تعالى " وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه أنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين " وقال تعالى " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لاواه حليم " وقال تعالى " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين " ولهذا وأمثاله قال تعالى: " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه " أي ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلا وهو في الآخرة من الصالحين السعداء فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملته واتبع طرق الضلالة والغي فأي سفه أعظم من هذا؟ أم أي ظلم أكبر من هذا كله قال تعالى: " إن الشرك لظلم عظيم " قال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود أحدثوا طريقا