المنزلة قبله من السماء على عباد الله والأنبياء فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت في قديم الزمان وهو يصدقها لأنه طابق ما أخبرت به وبشرت من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم عليه. وقوله " وأنزل التوراة " أي على موسى بن عمران " والإنجيل " أي على عيسى ابن مريم عليهما السلام. " من قبل " أي من قبل هذا القرآن " هدى للناس " أي في زمانهما " وأنزل الفرقان " وهو الفارق بين الهدى والضلال والحق والباطل والغي والرشاد بما يذكره الله تعالى من الحجج والبينات والدلائل الواضحات والبراهين القاطعات ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك. وقال قتادة والربيع بن أنس: الفرقان ههنا القرآن. واختار ابن جرير أنه مصدر ههنا لتقدم ذكر القرآن في قوله " نزل عليك الكتاب بالحق " وهو القرآن. وأما ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح أن المراد بالفرقان ههنا التوراة فضعيف أيضا لتقدم ذكر التوراة والله أعلم.
وقوله تعالى " إن الذين كفروا بآيات الله " أي جحدوا بها وأنكروها وردوها بالباطل " لهم عذاب شديد " أي يوم القيامة " والله عزيز " أي منيع الجناب عظيم السلطان " ذو انتقام " أي ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام وأنبياءه العظام.
إن الله لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء (5) هو الذي الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم (6) يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض لا يخفى عليه شئ من ذلك " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء " أي يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى وحسن وقبيح وشقي وسعيد " لا إله إلا هو العزيز الحكيم " أي هو الذي خلق وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له وله العزة التي لا ترام والحكمة والاحكام وهذه الآية فيها تعريض بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق كما خلق الله سائر البشر لان الله صوره في الرحم وخلقه كيف يشاء فكيف يكون إلها كما زعمته النصارى عليهم لعائن الله وقد تقلب في الأحشاء وتنقل من حال إلى حال كما قال تعالى " يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ".
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه أيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (7) ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8) ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (9) يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهة عنده فقد اهتدى ومن عكس انعكس ولهذا قال تعالى " هن أم الكتاب " أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه " وأخر متشابهات " أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: المحكمات ناسخة وحلاله وحرامه وأحكامه ما يؤمر به ويعمل به وعن ابن عباس أيضا أنه قال: المحكمات قوله تعالى " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا " والآيات بعدها وقوله تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " إلى ثلاث آيات بعدها ورواه ابن أبي حاتم وحكاه عن سعيد بن جبير به قال: