الخوف ركعة فكما يصلي في الحضر قبلها وبعدها فكذلك يصلي في السفر. ورواه ابن ماجة من حديث أسامة بن زيد عن طاوس نفسه فهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان ولكن زيد في صلاة الحضر فلما استقر ذلك صح أن يقال إن فرض صلاة الحضر أربع كما قاله ابن عباس والله أعلم لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان وأنها تامة غير مقصورة كما هو مصرح به في حديث عمر رضي الله عنه وإذا كان كذلك فيكون المراد بقوله تعالى " فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ولهذا قال " إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " الآية ولهذا قال بعدها " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " الآية فبين المقصود من القصر ههنا وذكر صفته وكيفيته ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف صدره بقوله تعالى " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة - إلى قوله - إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا " وهكذا قال جويبر عن الضحاك في قوله " فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " قال: ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه وقال أسباط عن السدي في قوله " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم " الآية أن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام التقصير لا يحل إلا أن يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه عن الصلاة فالتقصير ركعة وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد " فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر بأربع ركعات بركوعهم وسجودهم وقيامهم معا جميعا فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم. روى ذلك ابن أبي حاتم ورواه ابن جرير عن مجاهد والسدي وعن جابر وابن عمر واختار ذلك أيضا فإنه قال بعد ما حكاه من الأقوال في ذلك وهو الصواب.
وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا ابن أبي فديك حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبد الله بن عمر: إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال عبد الله: إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملا عملنا به فقد سمي صلاة الخوف مقصورة وحمل الآية عليها لا على قصر صلاة المسافر وأقره ابن عمر على ذلك واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع لا بنص القرآن وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضا. حدثنا أحمد بن الوليد القرشي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك الحنفي قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان تمام غير قصر إنما القصر في صلاة المخافة فقلت وما صلاة المخافة؟ فقال: يصلي الامام بطائفة ركعة ثم يجئ هؤلاء إلى مكان هؤلاء وهؤلاء إلى مكان هؤلاء فيصلى بهم ركعة فيكون للامام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مصر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا (102) صلاة الخوف أنواع كثيرة فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة وتارة يكون في غير صوبها والصلاة تكون رباعية وتارة تكون ثلاثية كالمغرب: وتارة تكون ثنائية كالصبح وصلاة السفر ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ورجالا وركبانا ولهم أن يمشوا والحالة هذه ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة. ومن العلماء من قال: يصلون والحالة هذه ركعة واحدة