والهلع ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء وهؤلاء في أعين هؤلاء ليقدم كل منهما على الآخر " ليقضي الله أمرا كان مفعولا " أي ليفرق بين الحق والباطل فيظهر كلمة الايمان على الكفر والطغيان ويعز المؤمنين ويذل الكافرين كما قال تعالى " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة " وقال ههنا " والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار " أي إن في ذلك لعبرة لمن له بصيرة وفهم ليهتدي به إلى حكم الله وأفعاله وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد.
زين للناس حب الشهوات من النساء والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (15) يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين فبدأ بالنساء لان الفتنة بهن أشد كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " فأما إذا كان القصد بهن الاعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه وإن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء وقوله صلى الله عليه وسلم " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " وقوله في الحديث الآخر " حبب إلي النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ". وقالت عائشة رضي الله عنها: لم يكن شئ أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل وفي رواية: من الخيل إلا النساء. وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له فهذا محمود ممدوح كما ثبت في الحديث " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " وحب المال كذلك تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء فهذا مذموم وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات فهذا ممدوح محمود شرعا. وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال وحاصلها أنه المال الجزيل كما قاله الضحاك وغيره وقيل: ألف دينار وقيل ألف ومائتا دينار وقيل اثنا عشر ألفا وقيل أربعون ألفا وقيل ستون ألفا وقيل سبعون ألفا وقيل ثمانون ألفا وقيل غير ذلك: وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القنطار اثنا عشر ألف أوقية كل أوقية خير مما بين السماء والأرض " وقد رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة به وقد رواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا كرواية وكيع في تفسيره حيث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة قال " القنطار اثنا عشر ألف أوقية الأوقية خير مما بين السماء والأرض " هذا أصح وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل وابن عمر وحكاه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة وأبي الدرداء أنهم قالوا: القنطار ألف ومائتا أوقية. ثم قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا زكريا بن يحيى الضرير حدثنا شبابة حدثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد عن عطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية " وهذا حديث منكر أيضا والأقرب أن يكون موقوفا على أبي بن كعب كغيره من الصحابة. وقد روى ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن إبراهيم عن موسى عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة آية إلى ألف أصبح له قنطار من الاجر عند الله القنطار منه مثل الجبل العظيم " ورواه وكيع عن موسى بن عبيدة بمعناه. وقال