" الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " قال هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه.
وقوله " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " قيل المراد به صلة الأرحام والقرابات كما فسره قتادة كقوله تعالى " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " ورجحه ابن جرير وقيل المراد أعم من ذلك فكل ما أمر الله بوصله وفعله فقطعوه وتركوه. وقال مقاتل بن حيان في قوله تعالى " أولئك هم الخاسرون " قال في الآخرة وهذا كما قال تعالى " أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " وقال الضحاك عن ابن عباس كل شئ نسبه الله إلى غير أهل الاسلام من اسم مثل خاسر فإنما يعني به الكفر وما نسبه إلى أهل الاسلام فإنما يعني به الذنب. وقال ابن جرير في قوله تعالى " أولئك هم الخاسرون " الخاسرون جمع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه وكذلك المنافق والكافر خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته يقال منه خسر الرجل يخسر خسرا وخسرانا وخسارا كما قال جرير بن عطية:
إن سليطا في الخسار أنه * أولاد قوم خلقوا أقنه كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28) يقول تعالى محتجا على وجوده وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده " كيف تكفرون بالله " أي كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره " وكنتم أمواتا فأحياكم " أي وقد كنتم عدما فأخرجكم إلى الوجود كما قال تعالى " أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض * بل لا يوقنون " وقال تعالى " هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " والآيات في هذا كثيرة، وقال سفيان الثوري عن أبي إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا " قال هي التي في البقرة " وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: كنتم أمواتا فأحياكم، أمواتا في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئا حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ثم يحييكم حين يبعثكم، قال وهي مثل قوله تعالى " أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ": وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " قال كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور. فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى - فهذه ميتتان وحياتان فهو كقوله " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " وهكذا ر، وي عن السدي بسنده عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وعن أبي العالية والحسن ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نحو ذلك وقال الثوري عن السدي عن أبي صالح " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " قال يحييكم في القبر ثم يميتكم وقال ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال خلقهم في ظهر آدم ثم أخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة. وذلك كقوله تعالى " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " وهذا غريب والذي قبله.
والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس وأولئك الجماعة من التابعين وهو كقوله تعالى " قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " الآية كما قال تعالى في الأصنام " أموات غير أحياء وما يشعرون " الآية " وقال وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ".
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم (29) لما ذكر تعالى دلالة من خلقهم وما يشاهدونه من أنفسهم ذكر دليلا آخر مما يشاهدونه من خلق السماوات والأرض