ليست من عند الله وخالفوا ملة إبراهيم فيما أحدثوه ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ".
وقوله تعالى " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين " أي أمره الله تعالى بالاخلاص والاستسلام والانقياد فأجاب إلى ذلك شرعا وقدرا، وقوله " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب " أي وصى بهذه الملة وهي الاسلام لله أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله " أسلمت لرب العالمين " لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا أبناءهم بها من بعدهم كقوله تعالى " وجعلها كلمة باقية في عقبه " وقد قرأ بعض السلف ويعقوب بالنصب عطفا على بنيه كأن إبراهيم وصى بينه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرا ذلك وقد أدعى القشيري فيما حكاه القرطبي عنه أن يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح والظاهر والله أعلم أن إسحق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارة لان البشارة وقعت بهما في قوله " فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب " وقد قرئ بنصب يعقوب ههنا على نزع الخافض فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرية إسحق كبير فائدة وأيضا فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت " ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب " الآية وقال في الآية الأخرى " ووهبنا له أسحق ويعقوب نافلة " وهذا يقتضي أنه وجد في حياته وأيضا فإنه باني بيت المقدس كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال " المسجد الحرام " قلت ثم أي؟ قال " بيت المقدس " قلت كم بينهما: قال " أربعون سنة " الحديث فزعم ابن حبان أن بين سليمان الذي أعتقد أنه باني بيت المقدس - وإنما كان جدده بعد خرابه وزخرفه - وبين إبراهيم أربعين سنة وهذا مما أنكر على ابن حبان فإن المدة بينهما تزيد على ألوف سنين والله أعلم. وأيضا فإن وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبا وهذا يدل على أنه ههنا من جملة الموصين وقوله " يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " أي أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه ويبعث على ما مات عليه وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وفق له ويسر عليه ومن نوى صالحا ثبت عليه وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث " فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ويعمل أهل النار فيما يبدو للناس " وقد قال الله تعالى " فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ".
أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون (133) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (134) يقول تعالى محتجا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل وعلى الكفار من بني إسرائيل - وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام - بأن يعقوب لما حضرته الوفاة وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له فقال لهم " ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق " وهذا من باب التغليب لان إسماعيل عمه: قال النحاس والعرب تسمي العم أبا نقله القرطبي قد استدل بهذه الآية الكريمة من جعل الجد أبا وحجب به الاخوة