منهما رجالا كثيرا ونساء " أي وذرأ منهما أي من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر. ثم قال تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " أي واتقوا الله بطاعتكم إياه قال إبراهيم ومجاهد والحسن " الذي تساءلون به " أي كما يقال أسألك بالله وبالرحم. وقال الضحاك: واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به واتقوا الأرحام إن تقطعوها ولكن بروها وصلوها قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد. وقرأ بعضهم " والأرحام " بالخفض على العطف على الضمير في به أي تساءلون بالله وبالارحام كما قال مجاهد وغيره. وقوله " إن الله كان عليكم رقيبا " أي هو مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم كما قال " والله على كل شئ شهيد ". وفي الحديث الصحيح " ا عبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب. ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعض ويحثهم على ضعفائهم. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر -. وهم مجتابوا النمار أي من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " حتى ختم الآية. ثم قال " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد " ثم حضهم على الصدقة فقال " تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره ". وذكره تمام الحديث وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة وفيها ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها " يا أيها الناس اتقوا ربكم " الآية.
وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا (2) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4) يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم ولهذا قال " ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب " قال سفيان الثوري عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك وقال سعيد بن جبير: لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم يقول: لا تبدلوا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام وقال سعيد بن المسيب والزهري: لا تعط مهزولا وتأخذ سمينا.
وقال إبراهيم النخعي والضحاك: لا تعط زيفا وتأخذ جيدا. وقال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف يقول درهم بدرهم. وقوله " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل بن حيان والسدي وسفيان بن حسين: أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا. وقوله " إنه كان حوبا كبيرا " قال ابن عباس: أي إثما عظيما.
وروى ابن مردويه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله " حوبا كبيرا " قال " إثما كبيرا " ولكن في إسناده محمد بن يوسف الكندي وهو ضعيف وروى هكذا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وأبي مالك وزيد بن أسلم وأبي سنان مثل قول ابن عباس وفي الحديث المروي في سنن أبي داود " اغفر لنا حوبنا وخطايانا " وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصل مولى عيينة عن ابن سيرين عن ابن عباس: أن أبا أيوب طلق امرأته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوبا " قال ابن سيرين: