رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا كما يتوهمه بعض أصحابنا أنه ممن له رؤية بلا سماع وقال وكيع عن شعبة عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن المعرور بن سويد قال: رأيت عمر - رضي الله عنه - حين دفع من عرفة كأني أنظر إليه رجل أصلع على بعير له يوضع وهو يقول: إنا وجدنا الإفاضة هي الايضاع. وفي حديث جابر بن عبد الله الطويل الذي في صحيح مسلم قال فيه: - فلم يزل واقفا يعني بعرفة حتى غربت الشمس وبدت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى " أيها الناس: السكينة السكينة " كلما أتي جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه سئل كيف كان يسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دفع؟ قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص. والعنق هو انبساط السير والنص فوقه وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو محمد بن بنت الشافعي فيما كتب إلي عن أبيه أو عمه عن سفيان بن عيينة قوله " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام " وهي الصلاتين جميعا وقال أبو إسحق السبيعي عن عمرو بن ميمون سألت عبد الله بن عمرو عن المشعر الحرام فسكت حتى إذا هبطت أيدي رواحلنا بالمزدلفة قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم قال: قال ابن عمر:
المشعر الحرام المزدلفة كلها. وقال هشام عن حجاج عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن قوله " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " قال فقال: هذا الجبل وما حوله. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن المغيرة عن إبراهيم قال:
رآهم ابن عمر يزدحمون على قزح فقال: علام يزدحم هؤلاء؟ كل ما ههنا مشعر. وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والسدي والربيع بن أنس والحسن وقتادة أنهم قالوا: هو ما بين الجبلين. وقال ابن جريج:
قلت لعطاء أين المزدلفة؟ قال: إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسر قال وليس المأزمان مأزمي عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما قال: فقف بينهما إن شئت قال وأحب أن تقف دون قزح هلم إلينا من أجل طريق الناس " قلت " والمشاعر هي المعالم الظاهرة وإنما سميت المزدلفة المشعر الحرام لأنها داخل الحرم وهل الوقوف بها ركن في الحج لا يصح إلا به كما ذهب إليه طائفة من السلف وبعض أصحاب الشافعي منهم القفال وابن خزيمة لحديث عروة بن مضرس؟ أو واجب كما هو أحد قولي الشافعي يجبر بدم؟ أو مستحب لا يجب بتركه شئ كما هو القول الآخر؟ في ذلك ثلاثة أقوال للعلماء لبسطها موضع آخر غير هذا والله أعلم. وقال عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " عرفة كلها موقف وارفعوا عن عرفة وجمع كلها موقف إلا محسرا " هذا حديث مرسل وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة حدثنا سعيد بن عبد العزيز حدثني سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " كل عرفات موقف وارفعوا عن عرفات وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح " وهذا أيضا منقطع فإن سليمان بن موسى هذا وهو الأشدق لم يدرك جبير بن مطعم ولكن رواه الوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان فقال الوليد عن جبير بن مطعم عن أبيه وقال سويد عن نافع بن جبير عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكره والله أعلم.
وقوله " واذكروه كما هداكم " تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية والبيان والارشاد إلى مشاعر الحج على ما كان عليه من الهداية إبراهيم الخليل عليه السلام ولهذا قال " وإن كنتم من قبله لمن الضالين " قيل من قبل هذا الهدي وقيل القرآن وقيل الرسول والكل متقارب ومتلازم وصحيح.
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (199)