الله له ولهذا قال " كتابا مؤجلا " كقوله " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب " وكقوله " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " وهذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال فإن الاقدام والاحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه كما قال ابن أبي حاتم حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال:
سمعت أبا معاوية عن الأعمش عن حبيب بن ظبيان قال: قال رجل من المسلمين وهو حجر بن عدي ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النطفة - يعني دجلة - " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " ثم أقحم فرسه دجلة فلما أقحم أقحم الناس فلما رآهم العدو قالوا: ديوان فهربوا. وقوله " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها " أي من كان عمله للدنيا فقد ناله منها ما قدره الله له ولم يكن له في الآخرة من نصيب ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها وما قسم له في الدنيا كما قال تعالى " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة نصيب " وقال تعالى " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " ولهذا قال ههنا " وسنجزي الشاكرين " أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم. ثم قال تعالى مسليا للمؤمنين عما كان وقع في نفوسهم يوم أحد " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " قيل: معناه كم من نبي قتل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير وهذا القول هو اختيار ابن جرير فإنه قال: وأما الذين قرأوا " قتل معه ربيون كثير " فإنهم قالوا: إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل قال:
ومن قرأ قاتل فإنه اختار ذلك لأنه قال: لو قتلوا لم يكن لقول الله " فما وهنوا " وجه معروف لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا ثم اختار قراءة من قرأ " قتل معه ربيون كثير " لان الله عاتب بهذه الآيات والتي قبلها من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمدا قد قتل فعذلهم الله على فرارهم وتركهم القتال فقال لهم " أفإن مات أو قتل " أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم و " انقلبتم على أعقابكم " وقيل:
وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير. وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولا آخر فإنه قال وكأين من نبي أصابه القتل ومعه ربيون أي جماعات فما وهنوا بعد نبيهم وما ضعفوا عن عدوهم وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم وذلك الصبر " والله يحب الصابرين " فجعل قوله " معه ربيون كثير " حالا وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه وله اتجاه لقوله " فما وهنوا لما أصابهم " الآية وكذا حكاه الأموي في مغازيه عن كتاب محمد بن إبراهيم ولم يحك غيره وقرأ بعضهم " قاتل معه ربيون كثير " أي ألوف وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني: الربيون الجموع الكثيرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن " ربيون كثير " أي علماء كثير وعنه أيضا: علماء صبر أي أبرار أتقياء. وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عز وجل قال ورد بعضهم عليه فقال: لو كان كذلك لقيل الربيون بفتح الراء وقال ابن زيد: الربيون الاتباع والرعية والربابيون الولاة " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا " قال قتادة والربيع بن أنس: " وما ضعفوا " بقتل نبيهم " وما استكانوا " يقول:
فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله وقال ابن عباس " وما استكانوا " تخشعوا وقال ابن زيد: وما ذلوا لعدوهم وقال محمد ابن إسحاق والسدي وقتادة: أي ما أصابهم ذلك حين قتل نبيهم " والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " أي لم يكن لهم هجير إلا ذلك " فآتاهم الله ثواب الدنيا " أي النصر والظفر والعاقبة " وحسن ثواب الآخرة " أي جمع لهم ذلك مع هذا " والله يحب المحسنين ".