الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " كان من أراد أن يفطر يفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها وروى أيضا من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال هي منسوخة: وقال السدي عن مرة عن عبد الله قال لما نزلت هذه الآية " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " قال يقول " وعلى الذين يطيقونه " أي يتجشمونه: قال عبد الله فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا " فمن تطوع " يقول أطعم مسكينا آخر فهو خير له " وأن تصوموا خير لكم " فكانوا كذلك حتى نسختها " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " وقال البخاري أيضا أخبرنا إسحق حدثنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " قال ابن عباس ليست منسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ثم ضعف فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن أحمد حدثنا الحسين بن محمد بن بهرام المخزومي حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد بن عبد الله عن ابن أبي ليلى قال دخلت على عطاء في رمضان وهو يأكل فقال: قال ابن عباس نزلت هذه الآية فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر - فحاصل الامر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه لقوله " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولا قضاء عليه لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضاء ولكن هل يجب عليه إذا أفطر أن يطعم عن كل يوم مسكينا إذا كان ذا جدة؟ فيه قولان للعلماء أحدهما لا يجب عليه إطعام لأنه ضعيف عنه لسنه فلم يجب عليه فدية كالصبي لان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وهو أحد قولي الشافعي والثاني وهو الصحيح وعليه أكثر العلماء أنه يجب عليه فدية عن كل يوم كما فسره ابن عباس وغيره من السلف على قراءة من قرأ " وعلى الذين يطيقونه " أي يتجشمونه كما قاله ابن مسعود وغيره وهو اختيار البخاري فإنه قال وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين عن كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده فقال حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عمران عن أيوب بن أبي تميمة قال ضعف أنس عن الصوم فصنع جفنة من ثريد فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم ورواه عبد بن حميد عن روح بن عبادة عن عمران وهو ابن جرير عن أيوب به. ورواه عبد أيضا من حديث ستة من أصحاب أنس عن أنس بمعناه.
ومما يلتحق بهذا المعنى الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ففيهما خلاف كثير بين العلماء فمنهم من قال يفطران ويفديان ويقضيان وقيل يفديان فقط ولا قضاء وقيل يجب القضاء بلا فدية وقيل يفطران ولا فدية ولا قضاء وقد بسطنا هذه المسألة مستقصاة في كتاب الصيام الذي أفردناه ولله الحمد والمنة.
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185) يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن أختاره من بينهن لانزال القرآن العظيم وكما أختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء قال: الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي فليح عن واثلة يعني ابن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة