فأولئك هم الفاسقون (82) يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام لمهما آتي الله أحدهم من كتاب وحكمة وبلغ أي مبلغ ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته ولهذا قال تعالى وتقدس " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " أي لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري " وقال ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وقتادة والسدي: يعني عهدي وقال محمد بن إسحاق " إصري " أي ثقل ما حملتم من عهدي أي ميثاقي الشديد المؤكد " قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك " أي عن هذا العهد والميثاق " فأولئك هم الفاسقون ". قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. وقال طاوس والحسن البصري وقتادة: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه بل يستلزمه ويقتضيه ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثل قول علي وابن عباس وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن جابر عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني أمرت بأخ لي يهودي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت قلت له ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال عمر: رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا قال: فسرى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال " والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام ثم ابتعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين ".
" حديث آخر " قال الحافظ أبو يعلى حدثنا إسحاق حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني " وفي بعض الأحاديث " لو كان موسى وعيسى حين لما وسعهما إلا اتباعي " فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين هو الامام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد لكان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم ولهذا كان إمامهم ليلة الاسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس: وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهى النوبة إليه فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه.
أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون (83) قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (84) ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلم يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85) يقول تعالى منكرا على من أراد دينا سوى دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي له أسلم من في السماوات والأرض أي استسلم له من فيهما طوعا وكرها كما قال تعالى " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها " الآية وقال تعالى " أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين