وقد أخبر الله تعالى في القرآن أن أهل الكتاب قد حرفوا كتبهم فقال: (يحرفون الكلم عن مواضعه) (1) وقال: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) (2). كما بين النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الموقف الواجب اتخاذه تجاه أهل الكتاب فقال: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " (3) ولكن المسلمين تساهلوا في الاخذ عن أهل الكتاب وهكذا دخلت الإسرائيليات في كتب التفسير، وكانت مصادر الإسرائيليات تدور حول أربعة أشخاص هم: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريح.
الإسرائيليات وأثرها في التفسير بالمأثور قسم العلماء الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام: (الأول) مقبول وهو ما علم صحته بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كتعيين اسم الخصر عليه السلام، إذ ورد فيه حديث صحيح عند البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، أو ما كان له شاهد من الشرع يؤيده. (والثاني) مسكوت عنه: وهو ما لم يعلم صحته ولا كذبه، وهذا القسم تجوز حكايته للعظة والعبرة، ولا نؤمن بصدقه ولا كذبه امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا... " (والثالث) مرفوض: وهو ما علم كذبه لتناقضه مع شريعتنا أو مخالفته للعقل، ولا يصح تصديقه ولا قبوله ولا روايته، وإذا رواه المفسر في تفسيره وجب عليه بيانه.
وقد كان لهذه الإسرائيليات أثر سئ في التفسير، إذ أدخلت فيه كثيرا من القصص الخيالي المخترع، والاخبار المكذوبة، وهذا ما دفع العلماء لمقاومتها، وإخضاعها لمعايير نقد الرواية، وموازين الشريعة لتمييز المقبول من المردود. وبسبب هذه الإسرائيليات تفاوتت الثقة في كثير من التفاسير التي وضعها كبار الأئمة.
أشهر من بين هذه الكتب ثمانية، تفاوتت قيمتها عند الأمة بين القبول والرفض، وسنذكرها مع تبيان قيمة كل واحد منها:
1 - جامع البيان لابن جرير الطبري (ت 310 ه) (4): وهو من أقدم التفاسير وأشهرها، كما يعتبر المرجع الأول عند المفسرين بالنقل والعقل، نظرا لما فيه من الروايات والاستنباطات، وترجيح بعضها على بعض، ويقع في ثلاثين جزئا من الحجم الكبير، وهو مطبوع، وتقوم دار المعرفة في بيروت بنشره، كما قام العلامة أحمد شاكر ورحمه الله بتحقيق نصفه واخترمته المنية قبل إتمامه.
2 - بحر العلوم للسمرقندي (ت 373 ه) (5): صاحبه هو الإمام أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم، الفقيه الحنفي المعروف بإمام الهدى، وهو تفسير لطيف مفيد لكنه يذكر الروايات مجردة عن أسانيدها، دون ترجيح، وقد خرج أحاديثه قاسم بن قطلوبغا (ت 854 ه)، وهذا التفسير مخطوط في ثلاث مجلدات كبار بدار الكتب المصرية.