أنزل على موسى بن عمران والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليهما السلام. وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا، قوله " ورسولا إلى بني إسرائيل " قائلا لهم " أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ". وكذلك كان يفعل يصور من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيطير عيانا بإذن الله عز وجل الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله " وأبرئ الأكمه " قيل: إنه الذي يبصر نهارا ولا يبصر ليلا وقيل بالعكس وقيل: الأعشى وقيل: الأعمش وقيل: هو الذي يولد أعمى وهو أشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي " والأبرص " معروف " وأحيي الموتى بإذن الله " قال كثير من العلماء:
بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة فبعثه الله بمعجزة بهرت الابصار وحيرت كل سحار فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للاسلام وصاروا من عباد الله الأبرار وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لاحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد أو على مداواة الأكمه والأبرص وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد. وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء فأتاهم بكتاب من الله عز وجل فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدا لو كان بعضهم لبعض ظهيرا وما ذلك إلا أن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبدا وقوله " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " أي أخبركم بما أكل أحدكم الآن وما هو مدخر له في بيته لغد " إن في ذلك " أي في ذلك كله " لآية لكم " أي على صدقي فيما جئتكم به " إن كنتم مؤمنين * ومصدقا لما بين يدي من التوراة " أي مقرا لهم ومثبتا " ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم " فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئا وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ وانكشف لهم عن الغطاء في ذلك كما قال في الآية الأخرى " ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه " والله أعلم. ثم قال " وجئتكم بآية من ربكم " أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم " فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربي وربكم فاعبدوه " أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه " هذا صراط مستقيم ".
فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين (53) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (54) يقول تعالى " فلما أحس عيسى " أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال قال: " من أنصاري إلى الله " قال مجاهد: أي من يتبعني إلى الله وقال سفيان الثوري وغيره: أي من أنصاري مع الله وقول مجاهد أقرب. والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر " من رجل يؤويني حق أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " حتى وجد الأنصار فأووه ونصروه وهاجر إليهم فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر رضي الله عنهم وأرضاهم. وهكذا عيسى ابن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم " قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " الحواريون قيل: كانوا قصارين وقيل سموا بدلك لبياض ثيابهم وقيل: صيادين. والصحيح أن الحواري الناصر كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لكل نبي حواري وحواري الزبير ". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله " فاكتبنا مع