الناس إليه فقالوا: سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب: يا أيها الناس إنكم لتتأولون هذه الآية على غير التأويل وإنما نزلت فينا معشر الأنصار إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا: لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها فأنزل الله هذه الآية وقال أبو بكر بن عياش عن أبي إسحق السبيعي قال: قال رجل للبراء بن عازب إن حملت على العدو وحدي فقتلوني أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ قال: لا. قال الله لرسوله " فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " إنما هذه في النفقة رواه ابن مردويه وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث إسرائيل عن أبي إسحق وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه الترمذي وقيس بن الربيع عن أبي إسحق عن البراء فذكره وقال بعد قوله " لا تكلف إلا نفسك " ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب فيلقي بيده إلى التهلكة ولا يتوب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثني الليث حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي بكر بن نمير بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عبد الرحمن الأسود بن عبد يغوث أخبره أنهم حاصروا دمشق فانطلق رجل من أزد شنوءة فأسرع إلى العدو وحده ليستقبل فعاب ذلك عليه المسلمون ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل إليه عمرو فرده وقال عمرو، قال الله " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: ليس ذلك في القتال إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله ولا تلق بيدك إلى التهلكة. قال حماد بن سلمة عن داود عن الشعبي عن الضحاك بن أبي جبير قال: كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم فأصابتهم سنة فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله فنزلت " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقال الحسن البصري " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال هو البخل وقال سماك بن حرب عن النعمان بن بشير في قوله " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " أن يذنب الرجل الذنب فيقول لا يغفر لي فأنزل الله " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " رواه ابن مردويه. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عبيدة السلماني والحسن وابن سيرين وأبي قلابة نحو ذلك يعني نحو قول النعمان بن بشير إنها في الرجل يذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له فيلقي بيده إلى التهلكة أي يستكثر من الذنوب فيهلك. ولهذا روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس التهلكة عذاب الله. وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعا حدثنا يونس حدثنا ابن وهب أخبرني أبو صخر عن القرظي [محمد بن كعب] أنه كان يقول في هذه الآية " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال: كان القوم في سبيل الله فيتزود الرجل فكان أفضل زادا من الآخر أنفق البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شئ أحب أن يواسي صاحبه فأنزل الله " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وبه قال ابن وهب أيضا: أخبرني عبد الله بن عياش عن زيد بن أسلم في قول الله " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وذلك أن رجالا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير نفقة فإما أن يقطع بهم وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش أو من المشي. وقال لمن بيده فضل " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " ومضمون الآية الامر بالانفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم والاخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده ثم عطف بالامر بالاحسان وهو أعلى مقامات الطاعة فقال " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن
(٢٣٦)