الذين خلوا من قبلكم " أي سنتهم كما قال تعالى " فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين " وقوله " وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " أي يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة. قال الله تعالى " ألا إن نصر الله قريب " كما قال " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا " وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها ولهذا قال " ألا إن نصر الله قريب " وفي حديث أبي رزين " عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب " الحديث.
يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم (215) قال مقاتل بن حيان: هذه الآية في نفقة التطوع. وقال السدي: نسختها الزكاة وفيه نظر ومعنى الآية: يسألونك كيف ينفقون؟ قاله ابن عباس ومجاهد فبين لهم تعالى ذلك فقال " قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل " أي اصرفوها في هذه الوجوه. كما جاء الحديث " أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك " وتلا ميمون بن مهران هذه الآية ثم قال: هذه مواضع النفقة ما ذكر فيها طبلا ولا مزمارا ولا تصاوير الخشب ولا كسوة الحيطان. ثم قال تعالى " وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم " أي مهما صدر منكم من فعل معروف فإن الله يعلمه وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء فإنه لا يظلم أحدا مثقال ذرة.
كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (216) هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين أن يكفوا شر الأعداء عن حوزة الاسلام وقال الزهري: الجهاد واجب على كل أحد غزا أو قعد فالقاعد عليه إذا أستعين أن يعين وإذا استغيث أن يغيث وإذا استنفر أن ينفر وإن لم يحتج إليه قعد " قلت ": ولهذا ثبت في الصحيح " من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية " وقال عليه السلام يوم الفتح " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا " وقوله " وهو كره لكم " أي شديد عليكم ومشقة وهو كذلك فإنه إما أن يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء. ثم قال تعالى " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " أي لان القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وذراريهم وأولادهم " وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " وهذا عام في الأمور كلها قد يحب المرء شيئا وليس له فيه خيرة ولا مصلحة ومن ذلك القعود عن القتال قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم. ثم قال تعالى " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " أي هو أعلم بعواقب الأمور منكم وأخبر بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم فاستجيبوا له وانقادوا لامره لعلكم ترشدون.
يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (217) إن الذين أمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (218)