تعالى " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " أو تكون للتخبير أي اضرب لهم مثلا بهذا وإن شئت بهذا قال القرطبي: أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين على ما وجهه الزمخشري أن كلا منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه ويكون معناه على قوله سواء ضربت لهم مثلا بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم " قلت " وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة - ومنهم - ومنهم - ومنهم - يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الافعال والأقوال فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم والله أعلم كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة " إلى أن قال " أو كظلمات في بحر لجي " الآية فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب والثاني لذوي الجهل البسيط من الاتباع المقلدين والله أعلم بالصواب.
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22) شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشا أي مهدا كالفراش مقررة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات والسماء بناء وهو السقف كما قال في الآية الأخرى " وجعلنا السماء سقف محفوظا وهم عن آياتها معرضون " " وأنزل من السماء ماء " والمراد به السحاب ههنا في وقته عند احتياجهم إليه فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد رزقا لهم ولا نعامهم كما قرر هذا في غير موضع من القرآن، ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى " الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين " ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ولهذا قال " فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون " وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " الحديث، وكذا حديث معاذ " أتدري ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " الحديث، وفي الحديث الآخر " لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان " وقال حماد بن سلمة حدثنا عبد الملك بن عمير عن ربعي بن خراش عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة أم المؤمنين لامها قال: رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على نفر من اليهود فقلت من أنتم؟ قالوا: نحن اليهود. قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير ابن الله. قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد قال: ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: من أنتم قالوا: نحن النصارى.
قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال " هل أخبرت بها أحدا؟ " قلت: نعم. فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " أما بعد فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله وحده " هكذا رواه ابن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث حماد بن سلمة به، وأخرجه ابن ماجة من وجه آخر عن عبد الملك بن عمير به بنحوه، وقال سفيان بن سعيد الثوري عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء الله وما شئت فقال " أجعلتني لله ندا؟ قل ما شاء الله وحده ".
رواه ابن مردويه وأخرجه النسائي وابن ماجة من حديث عيسى بن يونس عن الأجلح به وهذا كله صيانة وحماية لجناب التوحيد والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الله تعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم " للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين، أي وحدوا ربكم الذي