وحرفه وزاد فيه ونقص منه ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة وأحل في زمانه لحم الخنزير وصلوا إلى المشرق وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثني عشر ألف معبد وبنى المدينة المنسوبة إليه واتبعه طائفة الملكية منهم وهم في هذا كله قاهرون لليهود أيده الله عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم وإن كان الجميع كفارا عليهم لعائن الله فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي العربي خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الاطلاق الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته مما قد حرفوا وبدلوا ثم لو لم يكن شئ من ذلك لكان قد نسخ الله شريعة جميع الرسل بما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي لا يبدل ولا يغير إلى قيام الساعة ولا يزال قائما منصورا ظاهرا على كل دين فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها واحتازوا جميع الممالك ودانت لهم جميع الدول وكسروا كسرى وقصروا قيصر وسلبوهما كنوزهما وأنفقت في سبيل الله كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم عز وجل في قوله " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " الآية فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقا سلبوا النصارى بلاد الشام وألجئوهم إلى الروم فلجئوا إلى مدينتهم القسطنطينية ولا يزال الاسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويستفيئون ما فيها من الأموال ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدا لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها وقد جمعت في هذا جزءا مفردا ولهذا قال تعالى " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون * فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين " وكذلك فعل بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه أو أطراه من النصارى عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك وفي الدار الآخرة عذابهم أشد وأشق " وما لهم من الله من واق " " وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم " أي في الدنيا والآخرة في الدنيا بالنصر والظفر وفي الآخرة بالجنات العاليات " والله لا يحب الظالمين ".
ثم قال تعالى " ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " أي هذا الذي قصصنا عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره هو مما قاله تعالى وأوحاه إليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ فلا مرية فيه ولا شك كما قال تعالى في سورة مريم " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " وههنا قال تعالى:
" إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59) الحق من ربك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين (61) إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (63) يقول جل وعلا " إن مثل عيسى عند الله " في قدرة الله حيث خلقه من غير أب " كمثل آدم " حيث خلقه من غير أب ولا أم بل " خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " فالذي خلق آدم من غير أب قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى لكونه مخلوقا من غير أب فجوز ذلك في آدم بالطريق الأولى،