" حميد " أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه وقوله " ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا " أي هو القائم على كل نفس بما كسبت الرقيب الشهيد على كل شئ وقوله " إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا " أي هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه كما قال " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " قال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره وقال تعالى " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز " أي وما هو عليه بممتنع وقوله " من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة " أي يا من ليس له همة إلا الدنيا اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك كما قال تعالى " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق * ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئك لهم نصيب مما كسبوا " الآية وقال تعالى " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " الآية وقال تعالى " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد - إلى قوله - انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض " الآية وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الآية " من كان يريد ثواب الدنيا " أي من المنافقين الذين أظهروا الايمان لأجل ذلك " فعند الله ثواب الدنيا " وهو ما حصل لهم من المغانم وغيرها مع المسلمين وقوله " والآخرة " أي وعند الله ثواب الآخرة وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم جعلها كقوله " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها - إلى قوله - وباطل ما كانوا يعملون " ولا شك أن هذه الآية معناها ظاهر وأما تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظر فإن قوله " فعند الله ثواب الدنيا والآخرة " ظاهر في حصول الخير في الدنيا والآخرة أي بيده هذا وهذا فلا يقتصر قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع وهو الله الذي لا إله إلا هو الذي قد قسم السعادة والشقاوة بين الناس في الدنيا والآخرة وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممن يستحق هذا وممن يستحق هذا. ولهذا قال " وكان الله سميعا بصيرا ".
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (135) يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه وقوله " شهداء لله " كما قال " وأقيموا الشهادة لله " أي أدوها ابتغاء وجه الله فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا خالية من التحريف والتبديل والكتمان ولهذا قال " ولو على أنفسكم " أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك وإذا سئلت عن الامر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه وقوله " أو الوالدين والأقربين " أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم فإن الحق حاكم على كل أحد وقوله " إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما " أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقره والله يتولاهما بل هو أولى بهما منك واعلم بما فيه صلاحهما وقوله " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا " أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم بل الزموا العدل على أي حال كان كما قال تعالى " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. وسيأتي الحديث مسندا في سورة المائدة إن شاء الله تعالى