من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم " قال فنزلت هذه الآيات " ليسوا سواء من أهل الكتاب - إلى قوله - والله عليم بالمتقين " والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره. ورواه العوفي عن ابن عباس: أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن شعبة وغيرهم. أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين أسلموا ولهذا قال تعالى " ليسوا سواء " أي ليسوا كلهم على حد سواء بل منهم المؤمن ومنهم المجرم ولهذا قال تعالى " من أهل الكتاب أمة قائمة " أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه متبعة نبي الله فهي قائمة يعني مستقيمة " يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون " أي يقيمون الليل ويكثرون التهجد ويتلون القرآن في صلواتهم " يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين " وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله " الآية، ولهذا قال تعالى ههنا " وما يفعلوا من خير فلن يكفروه " أي لا يضيع عند الله بل يجزيهم به أوفر الجزاء " والله عليم بالمتقين " أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملا ثم قال تعالى مخبرا عن الكفرة المشركين بأنه " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا " أي لا ترد عنهم بأس الله ولا عذابه إذا أراده بهم " وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار في هذه الدار قاله مجاهد والحسن والسدي فقال تعالى " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيه صر " أي برد شديد قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم. وقال عطاء: برد وجليد وعن ابن عباس أيضا ومجاهد " فيها صر " أي نار وهو يرجع إلى الأول فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد يحرق الزروع والثمار كما يحرق الشئ بالنار " أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته " أي فأحرقته يعني بذلك السعفة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع فذهبت به وأفسدته فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه. فكذلك الكفار يمحق الله ثواب أعمالهم في هذه الدنيا وثمرها كما يذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه. وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس " وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ".
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون (118) ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور (119) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط (120) يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم وقوله تعالى " لا تتخذوا بطانة من دونكم " أي من غيركم من أهل الأديان وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخل أمره.
وقد روى البخاري والنسائي وغيرهما. من حديث جماعة منهم يونس ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة