مؤمنين * قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " وقال تعالى " وقال الشيطان لما قضي الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " وقوله " ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب " أي عاينوا عذاب الله وتقطعت بهم الحيل وأسباب الخلاص ولم يجدوا عن النار معدلا ولا مصرفا. قال عطاء عن ابن عباس " وتقطعت بهم الأسباب " قال المودة:
وكذا قال مجاهد في رواية ابن أبي نجيح: وقوله " وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا " أي لو أن لنا عودة إلى الدار الدنيا حتى نتبرأ من هؤلاء ومن عبادتهم فلا نلتفت إليهم بل نوحد الله وحده بالعبادة: وهم كاذبون في هذا بل لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون كما أخبر الله تعالى عنهم بذلك ولهذا قال " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " أي تذهب وتضمحل كما قال تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " وقال تعالى " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف " الآية. وقال تعالى " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء " الآية ولهذا قال تعالى " وما هم بخارجين من النار ".
يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (168) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (169) لما بين تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه المستقل بالخلق شرع يبين أنه الرزاق لجميع خلقه فذكر في مقام الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيبا أي مستطابا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان وهي طرائقه ومسالكه فيما أضل أتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها مما كان زينة لهم في جاهليتهم كما في حديث عياض بن حماد الذي في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " يقول الله تعالى إن كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال - وفيه - وإني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة المصري حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي حدثنا أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن أدهم حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال " يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ".
وقوله " إنه لكم عدو مبين " تنفير عنه وتحذير منه كما قال " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " وقال تعالى " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " وقال قتادة والسدي في قوله " ولا تتبعوا خطوات الشيطان كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان " وقال عكرمة: هي نزغات الشيطان وقال مجاهد خطؤه أو قال خطاياه: وقال أبو مجلز هي النذور في المعاصي وقال الشعبي نذر رجل أن ينحر ابنه فأفتاه مسروق بذبح كبش وقال هذا من خطوات الشيطان وقال أبو الضحى عن مسروق أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم فقال ابن مسعود ناولوا صاحبكم